فمن له من سرعة نفاذ الأمر ما ذكر ، لا تقع له الحاجة إلى الولد في معنى من المعاني ولا وجه من الوجوه ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوّا كبيرا.
ثم قول أهل التأويل : إنه نفخ في جيب مريم ، أو في أنفها ، أو في غيره ، وغير ذلك من القصص التي ذكروها ممّا ليس في الكتاب ذكرها ـ فلا يجوز أن يقال ذلك إلا بخبر عن الله تعالى ، أو عمن أوحى إليه ، فإنه لم يعلم صدقه ولا ثبوته ، فنذكر مقدار ما في الكتاب لا يزاد على ذلك ولا ينقص ؛ لأن هذه الأنباء لما ذكرت لرسول الله لتكون آية لرسالته ونبوّته ؛ لأنها كانت مذكورة في الكتب المتقدمة ، وكان هنالك من يعرفها ، فذكرت له هذه الأنباء على ما كانت في كتبهم ؛ ليعلموا أنه إنما عرف ذلك بالله ، فلو زيد فيه أو نقص لكانت غير دالة لهم على ذلك.
قال القتبي (١) : الصوم : الإمساك ؛ صوما : أي : صمتا ، فريّا : أي : عظيما عجبا ، والبغى : يقال : امرأة بغي ونسوة بغايا ، أي : فاجرات ، وكذلك قال أبو عوسجة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ).
إنهم كانوا يعرفون أن الله هو ربهم حيث قالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] ، ونحوه ، فكأن عيسى قال لهم : ارجعوا إلى عبادة الذي تعرفون أنه ربّى وربكم ، واتركوا العبادة لمن تعرفون أنه ليس بربّكم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) : اختلف فيه :
قال بعضهم : اختلف الذين تحزبوا في عيسى في حياته ، منهم من قال : هو ساحر.
وقال بعضهم : هو كاهن.
وقال بعضهم : كذا من هذا النحو.
وقال بعضهم (٢) : اختلف الذين تحزبوا في عيسى بعد ما رفع [من] بينهم :
فمنهم من قال : هو الله ، وقال بعضهم : هو ابن الله ، وقال بعضهم : ثالث ثلاثة ، وأمثال ما قالوا على علم منهم أنه لم يكن على ما وصفوه وقالوا فيه ، لكنهم عاندوا وكابروا.
وقال بعضهم : (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) : الذين تحزبوا واختلفوا في رسول الله لما بعث ، فمنهم من قال : إنه ساحر ، وإنه كاهن ومجنون ، وإنه مفتر ، وإنه كذاب ، ونحو ما قالوا فيه على علم منهم أن ما يقول هو يوافق كتبهم ، وأن كتابه مصدق لكتبهم ، وأنه يؤمن
__________________
(١) انظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٧٤).
(٢) قاله قتادة وابن جريج ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٣٧١٩ ، ٢٣٧٢٠).