فهذا يدلّ أن النبي إنما سمي : نبيّا ؛ لاجتماع خصال الخير والبركة فيه ، كما ذكرنا في الصديق ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) ، فإن كان الأيمن من اليمن والبركة ، فيكون تأويله : وناديناه من جانب الطور المبارك واليمن ، وكذلك روي في الخبر أن موسى ـ عليهالسلام ـ قال : «أتاني من جبل طور سيناء ، واطلع من جبل ساعورا ، وظهر من جبل فاران» ، ومعناه : أتانى وحي ربي من جبل طور سيناء ، «واطلع من جبل ساعورا» ، أي : أتى وحي عيسى من جبل ساعورا ، وأتى وحي محمّد في جبل فاران ؛ فهو على اليمن : يمن الجبل وبركته.
وقال بعضهم (١) : هو يمين الجبل.
وقال بعضهم (٢) : يمين موسى.
قال أبو بكر الأصم : هذا لا يعلم إلا بالخبر ، ولا نفسره أنه ما ذا أراد به؟ مخافة التغيير ؛ لأنه ذكر في موضع الاحتجاج عليهم ، فإن زادوا أو نقصوا عما في كتبهم يبطل الاحتجاج به عليهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا).
قال أهل التأويل (٣) : هو تقريب بالمكان ، ولكن عندنا هو تقريب المنزلة والقدر والفضل ، هذا معروف ، وهو أسلم ، (نَجِيًّا) من المناجاة ، أي : ناجاه من حيث لم يطلع على ذلك غيرهما ، وسمّى موسى بهذا ؛ لأنه أخلص نفسه لله وسلّمها له ، ولذلك سمى المصلي ـ أيضا ـ : مناجيا ربه على ما روي في الخبر «انظر من تناجي» (٤) حيث فرغ نفسه
__________________
ـ جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة».
(١) قاله قتادة : أخرجه ابن جرير (٢٣٧٥٩) وعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٩٢).
(٢) قاله ابن جرير (٨ / ٣٥٠) والبغوي (٣ / ١٩٨).
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه الفريابي وابن أبي شيبة في المصنف وهناد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير (٢٣٧٦٠) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٩٢) ، وهو قول مجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما.
(٤) أخرجه مالك (١ / ٨٠) كتاب الصلاة : باب العمل في الصلاة (٢٩) وأحمد (٤ / ٣٤٤) ، والبخاري في (خلق أفعال العباد) (٧١) والنسائي في الكبير (٢ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥) من طريق أبي حازم التمار عن البياضي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال : «إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن».
وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه الحاكم (١ / ٢٣٥ ـ ٢٣٦) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي ، وانظر : الصحيحة للعلامة الألباني (١٦٠٣).