هذا الكلام يخرج على وجهين :
أحدهما : على إنكار البعث : (لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) أي : ما أخرج حيّا.
والثانى : على التهزؤ والهزء ، جواب ما قال لهم أهل الإسلام : إنكم تبعثون وتحيون ، فقالوا عند ذلك : ذلك على التهزؤ بهم والسّخرية.
ثم ذكرهم بدء حالهم حيث لم يكونوا شيئا فخلقهم فقال : (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) فإن قدر على خلقه في الابتداء ولم يك شيئا كان على إحيائه وبعثه بعد ما كان شيئا أقدر (١).
ثم أقسم أنهم يبعثون فقال : (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ) ، أي : لنجعلهم والشياطين الذين أضلّوهم ، كقوله : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ. مِنْ دُونِ اللهِ ...) الآية [الصافات : ٢٢ ، ٢٣].
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) :
قال بعضهم (٢) : (جِثِيًّا) : جماعات ، كقوله : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً) [الزمر : ٧١].
وقال بعضهم (٣) : (جِثِيًّا) على الركب ؛ لأنّ أقدامهم لا تحمل ؛ لشدّة هول ذلك اليوم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) :
قال بعضهم : الشيعة : الصنف ، أي : من كل صنف ، والشيعة : الأتباع ، كقوله : (هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) [القصص : ١٥] أي : من أتباعه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) ، أي : تمردا وعنادا ، والعاتي : هو القاسي المتمرد في عتوّه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَ) ، أي : لنخرجن ، أي : نبدأ بهم من كان منهم أشد على الرحمن تمردا وعنادا وهم القادة والرؤساء منهم ، فيقذفون في النّار أولا ، ثم الأمثل [فالأمثل] على المراتب التي كانوا في الدّنيا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا) ، أي : أعلم بمن أولى بها
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٣ / ١٠٧ ، ١٠٨).
(٢) قاله ابن عباس كما في تفسير البغوي (٣ / ٢٠٣).
(٣) قاله الحسن والضحاك كما في تفسير البغوي (٣ / ٢٠٣).