تَبْذِيراً (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (٢٧) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (٢٨) وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (٢٩) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) (٣٠)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ).
قال بعضهم (١) : (وَقَضى) : حكم ، وقال بعضهم (٢) : (وَقَضى) ـ هاهنا ـ : أمر ، أي : أمر ربك ألا تعبدوا إلا إياه ، وقال بعضهم (٣) : (وَقَضى رَبُّكَ) ، أي : وصّى ربّك ، وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود (٤) وأبىّ (٥) ـ رضي الله عنهما ـ أنهما كانا يقرآن : ووصى ربك ، وقال بعضهم : وعهد ربك.
وقال القتبي (٦) : (وَقَضى رَبُّكَ) ، أي : حتم ربّك ، وهو من الفرض والإلزام ، أي : فرض ربك وألزم ألا تعبدوا إلا إياه ، وكذلك «حكم» ربك وهو أشبه ؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب : ٣٦] ، ثم قال : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) [الأحزاب : ٣٦] : دل قوله : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) أن قوله : (إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ) ـ معناه ، أي : فرض الله ورسوله وحكما أمرا.
ثم قوله : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) : فرض وحتم وحكم وأمر ألا تعبدوا إلا إياه ، إلا الإله المعبود الحق المستحق للعبادة والربوبية ، لا تعبدوا دونه أحدا ، وقد أبان (٧) لنا أنه هو الإله والربّ المستحق للعبادة والألوهية والربوبية ، لا الذين تعبدون من دونه من الأوثان والأصنام بوجوه ثلاثة :
أحدها : عجز العقول وجهالتها عن درك كيفية العقول وما بينها ؛ لأن العقول لا تعرف كيفية أنفسها ولا ماهيتها ، وتعرف محاسن الأشياء ومقابحها ؛ فقد عرفت الألوهية لله ، وحسن العبادة له ، وقبحها لغيره.
__________________
(١) قاله ابن جرير (٨ / ٥٧).
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٢٢١٨٣) ، وابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٠٩) ، وهو قول قتادة وابن زيد.
(٣) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٢١٨٨).
(٤) أخرجه ابن جرير (٢٢١٨٦) ، والطبراني ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٠٩).
(٥) أخرجه ابن جرير (٢٢١٨٧).
(٦) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٥٣).
(٧) في أ : بان.