الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) : يحبّهم ويحببهم إلى المؤمنين في صدورهم ، فعلى هذا إن ثبت يجب أن يخاف المرء على نفسه إذا رأى الناس [يكرهونه] أن يكون ذلك من سوء عمله ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ) :
قال بعضهم : يسّرنا تبليغ الرسالة على لسانه حتى بلّغها إلى الفراعنة منهم والأكابر الذين كانوا يقتلون من يخالفهم ويستقبلهم بغير الذي هم عليه قولا وفعلا ، ويعاقبون على ذلك ، يسر ذلك عليه حتى بلغها إلى أمثال هؤلاء ، وقدر على ذلك من غير أن يقدروا على إهلاكه ، حيث أخبر أنه عصمه منهم بقوله : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧].
وقال بعضهم : يسّره على لسانه حتى قدر على التكلم به والنطق ؛ لأنّه كلام ربّ العالمين.
قال أبو بكر الأصم : هذا لا يحتمل ؛ لأنه أنزله بلسانه ولسان العرب ، فلا يحتمل ألا يقدروا على التكلم بلسانهم.
وقال قائلون : يسره على لسانه حيث جعله بحيث يحفظونه ويقرءونه عن ظهر قلوبهم ، ليس كسائر الكتب المتقدمة : أنهم كانوا لا يقدرون على حفظها والقراءة عن ظهر القلب ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) ؛ وقال في آية أخرى : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) [يس : ١١] ، وقال في آية أخرى : (لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) [الأحقاف : ١٢].
مرة ذكر النذارة للناس جميعا ، ومرة للذين ظلموا خاصّة ، ومرة للذين اتبعوا الذكر ، والأصل في النذارة والبشارة : أن البشارة إذا كانت خاصّة لأحد ، فهي له على شرط الدّوام على ذلك أبدا ، وفيها النذارة له إن لم يدم ، وكذلك النذارة الخاصّة لأحد لدوام ذلك ملتزما ، فإن تاب ورجع عن ذلك فله فيها البشارة ، على هذا يكون البشارة الخاصّة والنذارة الخاصّة يكون في كل واحدة منهما أخرى ، وأمّا البشارة المطلقة فهي بشارة لا يكون فيها النذارة ، وكذلك النذارة المطلقة لا يكون فيها البشارة ، على هذه الأقسام يخرج البشارة والنذارة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً).
يخوّف به أهل مكة بإهلاكه القرون الماضية في الدنيا بتكذيبهم الرسل ؛ لئلا يكذبوا