أحدهما : على تعظيمه ، بما ذكر على إثره ، ذكر سلطانه في ربوبيته ، وقدرته وخلقه ما ذكر.
والثاني : على تخصيصه بالذكر بما هو أعظم الخلق وأجله ؛ على المعروف من إضافة الأمور العظيمة إلى أعظم الأشياء ، كما يقال : تم لفلان ملك بلد كذا ، واستوى على موضع كذا لا على خصوص ذلك في الحق ، ولكن معلوم أن من له ملك ذلك فما دونه أحق به ؛ وعلى ذلك قوله : (أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ...) الآية [المائدة : ٣] بما صارت له أم القرى وأيس الذين كفروا من دينهم ، وكذا ما ذكر من إرسال الرسل إلى الفراعنة ، وإلى أم القرى لا بتخصيص ذلك ، ولكن يذكر عظم الأمر ، فمثله أمر العرش ، وهو كقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها) [الأنعام : ١٢٣] وقوله : (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) [الإسراء : ١٦] على لحوق غير بهم ، ويحتمل أن يكون على المنع بوصف المكان ؛ إذ هو أعلى الأمكنة عند الخلق ولا تقدر العقول شيئا ، فأشار إليه ليعلم علوّه عن الأمكنة وتعاليه عن الحاجة ، وعلى ذلك قوله : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ ...) الآية [المجادلة : ٧] ، والنجوى ليس من نوع ما يضاف إلى المكان ، ولكن يضاف إلى الإسرار فأخبر بعلوه عن الأمكنة ، وتعاليه عن أن يخفى عليه شيء ، ثم بقدرته وقوته بقوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦] ، أي : بالسلطان والقوة ، وبالألوهية في البقاع كلها ؛ لأنها أمكنة العادة بقوله : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) [الزخرف : ٨٤] ويملك كل شيء بقوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى) وبقوله : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [البقرة : ١٠٧] ثم بعلوّه وجلاله بقوله : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) [يوسف : ٧٦] ، (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة : ٢٩] ، (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [المائدة : ١٢٠] فجمع في هذه الأحرف ما فرق في تلك ، ليعلم أنه بكل ما سمى به ووصف كان ذلك له بذاته لا بشيء من خلقه ، وكذلك عزّه وشرفه ومجده ، جل ثناؤه عن الأشباه ولا إله غيره.
وقال بعضهم : يريد بالعرش : الملك ؛ إذ هو اسم ما ارتفع من الأشياء وعلا حتى سمى به السطوح ورءوس الأشجار ، والاستواء قيل فيه بأوجه ثلاثة :
أحدها : الاستيلاء ، كما يقال : استوى فلان على كورة كذا ، بمعنى : استولى.
والثاني : العلو [و] الارتفاع ، كقوله : (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) [المؤمنون : ٢٨] وقوله : (إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) [الزخرف : ١٣] أي : علوتم.
والثالث : التمام ، كقوله : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى) [القصص : ١٤] ، أي : تم واستقر.
وقد قيل بالقصد ، وإلى ذلك وجّه أهل الأدب قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ)