[البقرة : ٢٩] بمعنى : خلق على التمثيل بفعل الخلق فيما يتلو فعلهم فعلا أن يكون بالقصد ، وإن كان لا يقال له القصد ، ولا قوة إلا بالله.
ثم الوجه في ذلك لو كان على الاستيلاء ، والعزيز الملك أنه مستول على جميع خلقه ، وعلى هذا التأويل المحمول غير هذا ، يدلّ على الأمرين قوله : (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة : ١٢٩] بمعنى : الملك العظيم ، وفيه إثبات عروش غيره ، فذلك يحتمل ما يحمل ويحف به الملائكة ، والله الموفق.
وأمّا على تأويل التمام والعلو ، فهو أن الله تعالى قال : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ...) الآية [فصلت : ٩] ، فأخبر بخلق ما ذكر في ستة أيام على التفاريق ، ثم أجملها في موضع ، فقال : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ...) [الأعراف : ٥٤] إلى قوله : (ثُمَّ اسْتَوى) بمعنى خلق الممتحن من خلق الأرض والسموات فبهم ظهر تمام الملك ، وعلا ، وارتفع ؛ إذ هم المقصودون من خلق ما بيّنا ، فبذلك تم معنى الملك وعلا ؛ إذ وصل إلى الذين لهم خلقوا وقد قيل ذا في خلق البشر خاصّة بقوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ...) الآية [البقرة : ٢٩] ، وقوله : (لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ) [الجاثية : ١٣] ونحوه.
وذكر عن ابن عباس : أن البشر خلق اليوم السابع فبه التمام والعلو ؛ إذ خلق لهم كل شيء وخلقهم لعبادة الله ، وألحق بهم الجن بقوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ...) الآية [الذاريات : ٥٦] ، لكن المقصود البشر ؛ إذ تسخير ما ذكرت كله إنما يرجع إلى منافعهم ، والله الموفق.
والأصل عندنا في ذلك : أن الله ـ عزوجل ـ قال : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ، فنفى عن نفسه شبه خلقه ، وقد بينا أنه في فعله وصفته متعال عن الأشباه ؛ فيجب القول ب (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) على ما جاء به التنزيل ، وينفى عنه شبه الخلق لما أضاف إليه ، وإذ لزم القول في الله بالتعالي عن الأشباه ذاتا وفعلا ، لم يجز أن يفهم من الإضافة إليه المفهوم من غيره في الوجود ، والله الموفق ، وقد ذكرنا هذا في غير موضع من القرآن.
وفى قوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى) ، الوصف له بالسلطان والقدرة والملك على ما ذكرنا.
وفي قوله : (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) الوصف له بالعلم في الغيب والسر والعلانية جميعا ؛ ليكونوا أبدا على حذر وخوف ويقظة في جميع أفعالهم وأقوالهم ، وفي