المباهاة ، فأمر بذلك ؛ ليكون أخضع له وأكثر تواضعا ، والله أعلم بذلك ، وليس لنا أن نفسّر ذلك أنه لما ذا أمره بذلك؟ إذ له أن يأمر بخلع نعليه لا لمعنى ، وليس لنا أن نقول : أمره لهذا ، أو لعله أمره بذلك لمعنى آخر ، أو لا لمعنى ؛ فيخرج ذلك مخرج الشهادة على الله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) :
المقدّس : المطهر ، ولعلّه سماه مطهرا ؛ لما لم يعبد عليه سواه ودونه ، أو سماه : مطهرا ؛ لمعنى خصّ به ؛ لفضل عبادة أو غيرها على ما خصّ بقاعا بفضل عبادة تقام فيها من نحو المساجد والحرم وغيره.
وقوله ـ عزوجل ـ : (طُوىً) :
قال بعضهم (١) : هو من وطء الأرض ، أي : طأ الوادى المبارك حافيا.
وقال بعضهم : (طُوىً) : قد قدس مرتين ، وهو قول الحسن (٢).
وقال بعضهم : (طُوىً) يقول : يطوى مسيره.
نحو هذا قد قالوا ، لكن الأصوب ألا يفسّر إلا بعد حقيقة به ؛ لأنه أنباء كانت في كتبهم ذكرت لرسول ؛ لتكون له حجة ودلالة على رسالته عليهم ، ففي التفسير خوف دخول الغلط فيه وتغييره ، فإذا تغير لم يصر له عليهم حجة ودلالة على رسالته ؛ لذلك كان السكوت عنه أولى ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) إما بالرسالة والنبوة ، أو بأشياء أخر كقوله : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ...) الآية [طه : ٤١] ، وقال في آية أخرى : (إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً) [مريم : ٥١] أخلصه الله لنفسه بأشياء.
وقوله : (فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) :
هذا يدل أن النداء الّذى نودى كان نداء وحى ، وهو قوله : (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي) وهو ظاهر ، كذلك أمر رسله أوّل ما أمروا بذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) :
قال بعضهم (٣) : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) لتكون ذاكرا لى ؛ لأن أكثر ما يذكر المرء به
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٤٠٤٨) ، وهو قول عكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد.
(٢) أخرجه ابن جرير (٢٤٠٤٤) وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٢٣).
(٣) قاله مجاهد بنحوه ، أخرجه ابن جرير (٢٤٠٥٢ ، ٢٤٠٥٣) وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٢٤).