عرفت بذلك أنّ ذلك من الله ، لا من أحد سواه.
أو أن يكون رفع الحجاب والموانع من قلبها ، وصار لها ذلك كالعيان.
أو كانت كالمضطرة إلى ذلك ؛ فوسع لها ذلك لما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) :
قال عامة أهل التأويل : ألقى عليه محبة في قلب امرأة فرعون ، حيث قالت : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ ...) الآية [القصص : ٩] ، لكن ألقى [عليه] محبّة في قلب امرأته وقلب فرعون أيضا ، حتى كان أشفق الناس عليه وأحبهم ، بعد ما كان يقتل الولدان بسببه ؛ ليجده ويظفر به ، يذكره ـ عزوجل ـ رحمته عليه ومننه له ، وهي المنة التي ذكر ، حيث قال : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) ، الصنع : هو فعل الخير والمعروف ، أي : لنصنع إليك المعروف والإحسان.
وقوله : (عَلى عَيْنِي) : قال بعضهم : لتغذّى على حفظي ، يقال : عين الله عليك : أي كن في حفظ الله ، وهو قول الحسن وقتادة.
وقال بعضهم (١) : لتربي على عيني ، أي : على علمي ، والأوّل أشبه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ) ، أي : من يضمه ، يسمى كافل اليتيم الذي يضمه ويضمنه ويحفظه ، وهو كقوله : (أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) [آل عمران : ٤٤] أي : يضمها ويحفظها ، فهذا يدل أنه كان عندهم من أحبّ الناس إليهم ، وأشفقهم عليه ، حيث قال : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) حيث قال لها : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) [القصص : ١٨] وعد لها أن يرده إليها فردّه.
وقوله : (كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ) ، أي : يذهب حزنها الذي كان ؛ لأنها قد كانت حزينة بطرحها إياه في اليم ؛ ألا ترى أنه قال : (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ...) الآية [القصص : ١٠] ، [و] هذا يدلّ أن قوله : (وَلا تَحْزَنَ) ، أي : يذهب حزنها الذي كان بها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِ) :
يحتمل أن يكون الغم الذي أخبر أنه نجاه منه هو الخوف الذي كان به بعد مقتل ذلك القبطي ، حيث قال : (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) [القصص : ٣٣] وقوله : (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ) [القصص : ٢٣] ، ونحوه ، أو نجاه من أنواع الغموم ؛ إذ كان له غموم.
__________________
(١) قاله أبو عمران الجوني ، أخرجه ابن أبي حاتم وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٢٩).