قال الحسن : كل (لعل) من الله فهو على الإيجاب ؛ لأنه قد تذكر وخشى ، حيث قال : (لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ...) الآية [الأعراف : ١٣٤] ، وحيث قال : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ) [يونس : ٩٠] لكن لم ينفعه إيمانه في ذلك الوقت ؛ لأنه إيمان دفع واضطرار.
وقال بعضهم : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) في علومكم ، فإن كان على هذا فهو يحتمل الشك ، وإن كان على الأوّل فهو على الإيجاب لا يحصل الشك.
ثم اختلف في القول اللّين : قال ابن عباس : هو قول الله : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى. وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) [النازعات : ١٨ ، ١٩] [أي :] فتوحّد ، قال : هذا القول اللّين.
وعن الحسن (١) : (قَوْلاً لَيِّناً) : قولا له : إن لك معادا ، إن لك مرجعا.
وقال بعضهم : (قَوْلاً لَيِّناً) : قول : لا إله إلا الله.
وقال بعضهم : أي : لينا ، ونحوه (٢) ، وأصله ما ذكرنا بدءا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) ، قال أهل التأويل (٣) : قوله : (أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) ، أي : يعجل بالعقوبة من قبل أن يسمع حجتنا.
أو أن يطغى بقتلنا بعد ما سمع الحجة منا.
وجائز أن يكون أحد هذين في الفعل ، والآخر في القول : أن يفرط علينا أو أن يطغى أيهما كان؟ لأنه قال في الجواب لهما : (قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) ، أي : أسمع ما يقول لكما ، وأرى ما يفعل بكما ، فهذا يدل ـ والله أعلم ـ أن قوله : (أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) يرجع أحدهما إلى القول ، والآخر إلى الفعل ؛ لأنه قال في وقت : (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) [غافر : ٢٦] ونحوه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا تَخافا) ، يحتمل على نفي الخوف ، والأمن منه ، كقوله : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) [الحجر : ٨٨] ليس على النهي عن الحزن ، فعلى ذلك الأول.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّنِي مَعَكُما) : في النصر والمعونة لكم والذب عنكم والدفع ، (أَسْمَعُ) ما يقول (وَأَرى) ما يفعل ، وقد كان منه إليهما : النصر والمعونة لهما ، والدفع عنهما.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) :
__________________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٣٦).
(٢) ينظر : اللباب (١٣ / ٢٥٤).
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٣٦) ، وهو قول مجاهد وابن زيد.