يشبه أن يكون (وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) هذا ، أي : لا تضعفا في تبليغ الرسالة ، ولكن قولا : (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) لا يحتمل أن يكون أوّل ما أتياه قالا : (أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) [ولكن] قد سبق منهما الدعاء إلى توحيد الله والإفراد له بالألوهية والربوبية ؛ فإذا ترك الإجابة ، فعند ذلك قالا له : (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ).
[و] هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : كأنه كان يمنع بني إسرائيل عن الإسلام ، وهم أرادوا الإسلام ، فقالا : أرسل معنا بني إسرائيل ولا تمنعهم عن الإسلام.
أو : كان يستعبدهم ، فأمره أن يستنقذهم من يديه ، كقوله : (أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) [الشعراء : ٢٢] ألا ترى أنّه قال : (وَلا تُعَذِّبْهُمْ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) وهو ما قال : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) [الإسراء : ١٠٢].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى).
هذا يدل أنه لا يبدأ بالسلام على أهل الكفر ، ولكن يبدأ بأهل الإسلام ، وفيه أن تحية أهل الإسلام هو السلام ، لا قول الناس : (أطال الله بقاءك) ، ونحوه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) كأنه قال : والسلام على من اتبع الهدى ، والعذاب على من كذب وتولى.
والسلام هو اسم كل خير وبر.
وقال القتبي (١) : (أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) أي : يعجل ويقدم ، قالوا : الفرط : التقدم والسبق ، وفي الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنا فرطكم على الحوض» (٢) ، وهو من السبق ، وكذلك قال أبو عوسجة : (أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) أي : يعجل ، يقال : فرط يفرط فرطا : أي : عجل ، وقال : (وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) أي : لا تقصرا ولا تعجزا في البلاغ ، (وَاصْطَنَعْتُكَ) أي : استخلصتك لنفسي ، فإذا لم يفهم من قوله : (لِنَفْسِي) : ذاته فكيف يفهم (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) ما لم يفهم من الخلق ، ولا يتصور هذا وأمثاله إلا في وهم من اعتقد التشبيه ولم يعرف ربّه ، وإلّا لو عرف ربّه حق معرفته ، لكان لا يتصور في وهمه تشبيه الخلق به ، ولا
__________________
(١) انظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٧٩).
(٢) أخرجه البخاري (١٣ / ٢٩٣) كتاب الرقاق : باب في الحوض (٦٥٧٥ ، ٦٥٧٦) ومسلم (٤ / ١٧٩٦) كتاب الفضائل : باب إثبات حوض نبينا صلىاللهعليهوسلم وصفاته (٣٢ / ٢٢٩٧) عن ابن مسعود قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أنا فرطكم على الحوض ، وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجنّ دوني ، فأقول : يا رب ، أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك».