فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي)(٩٤)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ).
يذكر ـ والله [أعلم] ـ بهذا رسوله : أن الذين كذبوك وجحدوا رسالتك لم يكذبوك لجهلهم بالرسالة ، ولكن لتعنتهم وعنادهم على ما ذكروا نبأه من قول هارون لقومه لما عبدوا العجل حيث قال : (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ) فكأنه يؤيسه عن إيمان أولئك لعنادهم ، وهو ما قال : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ) [البقرة : ٧٥].
وقوله : (إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) يحتمل وجهين :
أحدهما : (فُتِنْتُمْ) ، أي : صرتم مفتونين بالعجل بصوته وخواره أو بغيره.
والثاني : (فُتِنْتُمْ) أي : ضللتم به ، أي : بالعجل وإن ربكم الرحمن.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاتَّبِعُونِي) ، أي : أجيبوا لي إلى ما أدعوكم به (وَأَطِيعُوا أَمْرِي) ، أي : ما آمركم به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى).
قال بعضهم (١) : (لَنْ نَبْرَحَ) ، أي : لن نزال على عبادة العجل مقيمين حتى يرجع إلينا موسى.
وقال بعضهم : (لَنْ نَبْرَحَ) ، أي : لن نفارق عبادته ، ثم قال موسى : (يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا) هذا يدل أن قول هارون لهم : (إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) أراد به : الضلال ؛ حيث قال له موسى : (إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا. أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) يحتمل (أَلَّا تَتَّبِعَنِ) ، أي : ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا صرت إلى ما كنت صرت أنا؟ وقد علمت إلى أين صرت أنا ، أو أن يكون قوله : (أَلَّا تَتَّبِعَنِ) ، أي : ألا تتبع ديني وسنتي وكانت [سنته] ومذهبه القتال والحرب معهم إذا ضلوا وتركوا دين الله.
فاعتذر إليه هارون فقال : (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) ، هذا أيضا يخرج على وجهين :
أحدهما : أني خشيت إن اتبعتك وصرت إلى ما صرت أنت تقول لى : (فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ) ؛ لأنك لو نهيتهم عما اختاروا من عبادة العجل وبينت لهم السبيل لعلهم
__________________
(١) انظر : تفسير ابن جرير (٨ / ٤٤٩) ، والبغوي (٣ / ٢٢٩).