أخرجه من بين أظهرهم ؛ لما علم موسى منه (١).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ).
يحتمل : أن لك موعدا لعذابك لن تخلفه ، يحتمل ذلك في الدنيا والآخرة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً).
قوله : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ) الذي تزعم أنه إله ، لا أن موسى سمى ذلك ، وهو كما قال : (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ) [الصافات : ٩١] التي في زعمهم آلهة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) فقوله : (ظَلْتَ) يقال بالنهار ، وفي الليل يقال : بات.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً).
وفي هذا إثبات آية لموسى ؛ حيث قال : (لَنُحَرِّقَنَّهُ) ، والعجل الذي هو من لحم ودم ليس من طبع النار إحراقه ، وكذلك الحلى والذهب والفضة ليس من طبع النار إحراقهما حتى تصير رمادا ، ولكن من طبعهما الإذابة ، ثم أخبر أنه محرقه ، فدل أنه آية.
وفي قوله : (لَنُحَرِّقَنَّهُ) لغتان : (لَنُحَرِّقَنَّهُ) بالتشديد وبرفع النون وهو التحريق بالنار ، و (لَنُحَرِّقَنَّهُ) بنصب النون وهو القطع بالمبرد.
وقال أبو معاذ : فمن قرأه (لَنُحَرِّقَنَّهُ) بنصب النون ، فقد كان العجل من الحلى فلم يقدر على تحريقه بالنار فحرق بالمبرد.
ومن قرأه : (لَنُحَرِّقَنَّهُ) برفع النون والتشديد يقول : كان لحما ودما فأحرق بالنار صار رمادا ثم نسف في اليم.
قال أبو معاذ : يا سبحان الله ، إن كنت أحرقته بالنار فما حاجتك إلى المبرد ، لكن أراد مقاتل أن يجمع القراءتين والتأويلين في قراءة واحدة.
لكنه عندنا لا يجوز أن يكون العجل من لحم ودم في إحدى القراءتين وفي الأخرى من الحلى لا لحم فيه ولا دم ، وتكون القراءتان جميعا منزلتين.
وما قاله مقاتل : إنه حرق بالنار ثم حرق بالمبرد حسن ؛ لأن النار لا تحرق العجل إذا كان لحما ودما ، ولكنها تذيبه ، فأبرد بالمبرد ، فعند ذلك نسف في اليم.
قال أبو معاذ : تقول العرب : نسفت البرد أنسفته نسفا : إذا أخرجت المنسفة فطيرت غباره ، ويقال في المشي : ما زلنا ننسف يومنا كله نسفا ، أي : نمشي.
__________________
(١) انظر : تفسير ابن جرير (٨ / ٤٥٢) ، والبغوي (٣ / ٢٣٠).