يخاف أن يكون في وعيد هذه الآية.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً. يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً).
قيل (١) : يتسارون بينهم ويتكلمون فيما بينهم كلاما خفيا (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) مثل هذا الكلام ، إنما يقولون تلهفا وتحزنا على ما كان منهم في وقت قليل ؛ لاستقلالهم واستصغارهم الدنيا ، يقولون : كيف كان منا كل هذا العمل في ذلك الوقت القليل؟!
ثم اختلفوا في ذلك اللبث الذي قالوا ذلك ؛ قال بعضهم : في الدنيا ، استقلوا مقام الدنيا ؛ لما عاينوا الآخرة ، وقال بعضهم (٢) : ذلك في القبور ، ويستدل من ينكر عذاب القبر بهذه الآية ، يقول : لأنهم استقلوا مقامهم في القبور ، ولو كان لهم عذاب في ذلك لاستعظموا ذلك واستكثروا ؛ لأن قليل اللبث في العذاب يستعظم ويستكثر لا يستقل ولا يستحقر ، فلما استقلوا ذلك ، دل أنهم لا يعذبون في القبور.
واستدلوا أيضا لنفى العذاب فيه بقوله : (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) [يس : ٥٢].
ومن يقول بعذاب القبر يزعم أن ذلك إنما قالوا في القبر يقول : ذلك بين النفختين ، يقول : هم يعذبون ويكونون في العذاب إلى النفخة الأولى ، ثم يرفع عنهم العذاب إلى النفخة الثانية ، عند ذلك يرقدون فيستصغرون مقامهم للنوم ، وقد يستصغر الوقت الطويل ويستقل في حال النوم على ما ذكر في قصة أصحاب الكهف حين قالوا : (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) [الكهف : ١٩] وهم قد ناموا ثلاثمائة سنة وزيادة.
وجائز أن يكون عذاب القبر عذاب عرض وعذاب الآخرة عذاب عين ؛ كقوله : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) [غافر : ٤٦] ، فاستصغروا عذاب العرض واستقلوه عند معاينة عذاب العين.
ومن يقول ذلك في الدنيا ، يقول : تحاقرت الدنيا في أعينهم ومقامهم فيها حين عاينوا الآخرة وأهوالها.
وقوله تعالى : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً).
قوله : (أَمْثَلُهُمْ) قيل : أعقلهم ، وقيل : أفضلهم (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) من كان أبصر وأعلم بأمور الآخرة وأهوالها ، كان أكثر استخفافا بالدنيا واستحقارا لها.
__________________
(١) قاله ابن عباس : أخرجه ابن جرير (٢٤٣١٦) وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٥٠).
(٢) انظر : تفسير البغوي (٣ / ٢٣١).