بالشفاعة ؛ كقوله : (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) [النبأ : ٣٨] يقول : الشفاعة أنه لا أحد يتكلم يومئذ إلا بإذنه فضلا ، وقال : صوابا.
والثاني : لا تنفع الشفاعة إلا من وفق له بما يستوجب الشفاعة له ورضي له قولا وسأله ذلك ، وهو قول الشهادة والتوحيد.
فيرجع أحد التأويلين إلى الشفعاء : أنه لا أحد يشفع لأحد إلا بإذنه ورضاه بالقول : قول الشفاعة ، والثاني : يرجع إلى المشفوع له : أنه لا أحد يستوجب شفاعة إلا من وفق له الرحمن في الدنيا بالتوحيد وشهادة الإخلاص ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ).
يحتمل قوله : (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) قبل أن يخلقوا ، (وَما خَلْفَهُمْ) بعد ما خلقوا وكانوا.
أو أن يكون قوله : (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) : ما قدموا من الأعمال ، (وَما خَلْفَهُمْ) : من بعدهم.
أو أن يكون قوله : (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) كناية عن الخيرات ، أي : لا يعلم ما يعملون من الخيرات ، (وَما خَلْفَهُمْ) من الشرور ، وما نبذوا وراء ظهورهم.
وجائز أن يكون المراد من البين والخلف : الأحوال كلها ، أي : عالم بجميع أحوالهم وبكل شيء يكون منهم ، وهو كقوله : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت : ٤٢] أي : لا يأتيه الباطل البتة ؛ لأنه ليس للقرآن بين ولا خلف ، ولكن المراد ما ذكرنا ، فعلى ذلك الأول.
وجائز أن يكون المراد منه : ليس البين ولا الخلف ، ولكن إخبار عن إحاطة علمه بهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً).
هذا يحتمل وجهين :
لا يحيطون بالله علما ، ولكن إنما يعرفونه على ما تشهد لهم الشواهد من خلقه ؛ لأن الخلق إنما يعرفون ربهم من جهة ما يشهد ويدل لهم من الدلالات من خلقه ، والإحاطة بالشيء إنما تكون فيما كان سبيل معرفته الحس والمشاهدات ، فأما ما كان سبيل معرفته الاستدلال فإنه لا يحاط به العلم.
والثاني : لا يحيطون به علما ، أي : بعلمه ؛ كقوله : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) [البقرة : ٢٥٥] ؛ وكقوله : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلَّا مَنِ ارْتَضى