مِنْ رَسُولٍ ...) الآية [الجن : ٢٦ ، ٢٧].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ).
قيل (١) : (عَنَتِ) : ذلت وخضعت الوجوه.
وجائز أن يكون ذكر [الوجوه] كناية عن أنفسهم ؛ لما بالوجوه يظهر الذلة والخضوع ، فكنى بها عنهم.
فإن كان ما أخبر من خضوعهم وذلهم في الآخرة ، فهو على ما أخبر من خضوع الخلائق له في الآخرة.
وإن كان بعضهم يتكبر في الدنيا ، وإن كان في الدنيا فهو على خضوع الخلقة له خضعت خلقة الخلائق كلهم له.
وقوله : (لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) قد ذكرنا تأويل الحى القيوم فيما تقدم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً).
أي : قد خاب من حمل الشرك ، والظلم هاهنا الشرك ، وقد خاب من حمل ما ذكر من الحمل والوزر ، وهو ما ذكر في قوله : (مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً. خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً) [طه : ١٠٠ ، ١٠١] أي : خاب من حمل ذلك الحمل ، والله أعلم.
وقال بعضهم (٢) : في قوله : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من أمر الآخرة ، (وَما خَلْفَهُمْ) من أمر الدنيا ، (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ) يعني : [لا يحيط] الملائكة به (عِلْماً) ، يقول : هم لا يعلمون من كلامه إلا ما علمهم إياه ، فإن كان هذا في الملائكة خاصة ، فإنه لا يحتمل ما ذكرنا من التأويل في قوله : (وَما خَلْفَهُمْ) من الشرور وما نبذوه وراء ظهورهم ؛ لأنهم مطيعون لله لا يعصونه طرفة عين ، ويحتمل غيره من التأويلات التي ذكرنا ، والله أعلم.
وقال بعضهم (٣) : في قوله : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) [طه : ١٠٩] : في الشفاعة ، (وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) [طه : ١٠٩] : قول : لا إله إلا الله ، مسلما في الدنيا مؤمنا حقا ، فذلك الذي رضى ، والشفاعة تحل لهم ، فأما غيرهم فلا يشفع لهم ، وهو ما ذكرنا فيما تقدم.
وقال بعضهم في قوله : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) أي : عملت الوجوه للحي القيوم ، قالوا : وتأويل (عَنَتِ) العمل ، أي : خضعت له بالعمل الصالح في الدنيا ، على ما ذكر
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٤٣٤٣ ، ٢٤٣٤٤) وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٥١).
(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٤٣٤٢).
(٣) قاله ابن عباس ، كما في تفسير البغوي (٣ / ٢٣٢).