اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (١١٦) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (١١٩) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (١٢٠) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى)(١٢٧)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً).
قال الحسن وعامة أهل التأويل (١) : إن قوله : (فَنَسِيَ) ، أي : ضيع وترك ، ليس نسيان السهو ؛ لأنه عوتب عليه وعوقب به ، ولا يعاتب المرء على ما هو حقيقة السهو والنسيان ؛ فدل أنه على التضييع والترك ، ليس على النسيان والسهو ، إلى هذا يذهب هؤلاء ، لكن يقبح هذا أن يقال في آدم ، أو في نبي من أنبيائه ، أو في رسول من رسله ـ صلوات الله عليهم ـ : إنه ضيع ، والنسيان عندنا على قسمين :
نسيان يكون عن غفلة منه وشغل ، ما لو لا ذلك الشغل منه والغفلة ، لحفظه وذكره ولا ينساه ، وجائز المعاتبة على هذا النسيان ؛ إذ لو كان تكلف لكان لا ينساه ولا يقع فيه.
ونسيان آخر يقع فيه من غير سبب كان منه لا يملك دفعه ، وذلك نسيان ما لا يعاتب عليه ولا يعاقب به ، وهكذا الكلفة من الله تعالى والمحنة : أنه جائز أن يكلف ويمتحن من لا يعلم ولا يعقل الكلفة وقت تكليفه إياه بعد أن يحتمل عقله إدراك ذلك لو استعمله ، فأما من كان عقله لا يحتمل إدراك ما كلفه وإن استعمله وأجهد نفسه فيه ، فإنه لا يكلف البتة ؛ فعلى ذلك النسيان الذي ذكر من آدم جائز أنه لو تكلف ، حفظه وذكره ؛ فإنما عوتب لذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً).
قال الحسن : أي : منعا من الشيطان.
وقال بعضهم (٢) : حفظا لم يحفظ أمره.
__________________
(١) قاله ابن عباس ومجاهد ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٤٣٧٧ ، ٢٤٣٧٨).
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٤٣٨٧) وابن مندة ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٥٣) وهو قول عطية وابن زيد.