واللسان باستعمالهم هذه الجوارح في المعصية على قيامها ؛ لما ذهبت منافعها في الطاعة.
وقال بعضهم (١) : (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) في عذاب القبر ، لكن لا يقال لمن في القبر : إن له معيشة ضنكا حتى يوصف بالضيق ، وعذاب القبر سبيل معرفته السمع ، فإن ثبت السمع وإلا فالترك أولى.
وقال قائلون (٢) : ذلك في الآخرة ـ والله أعلم ـ كقوله : (مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ) [الفرقان : ١٣].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى).
قال بعضهم (٣) : نحشره أعمى عن حججه في دينه ، لكن متى كانت له الحجج في الدنيا حتى يعمى عنها في الآخرة؟!
وقال بعضهم (٤) : نحشره يوم القيامة أعمى : عمى الحقيقة ؛ كقوله : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) [الإسراء : ٩٧] فهو على حقيقة عمى البصر ، وهو أشبه ، والله أعلم.
وقال مجاهد (٥) : قوله : (رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى) قال : بلا حجة لى ، (وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) في الدنيا لكن الأشبه هو ما ذكرنا من حقيقة ذهاب البصر ؛ إذ لم يكن للكافر حجة في الدنيا حتى يقول : (وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً).
ثم اختلف فيه :
قال بعضهم : ذلك بعد ما حوسبوا وسيقوا إلى النار ـ نعوذ بالله من النار ـ فعند ذلك يعمى عليه البصر.
وقال بعضهم : لا ولكن يبعثون من قبورهم ويحشرون عميانا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى).
أي : كما أتتك آياتنا فصيرتها كالشىء المنسي ، لم تكترث إليها ولم تنظر فيها ولم ترغب فيها ، كذلك تصير في النار كالشيء المنسي عن رحمته ، لا يكترث إليك ولا ينظر إليك.
أو أن يقول : كما ضيعت آياتنا التي أتتك لنجاتك كذلك تضيع أنت وتترك في النار لا
__________________
(١) هو قول أبي سعيد الخدري وأبي هريرة وابن مسعود ، أخرجه ابن جرير عنهم (٢٤٤١٧ ـ ٢٤٤٢١ ـ ٢٤٤٢٤) وله طرق أخرى عنهم ، ذكرها السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٥٥٧).
(٢) قاله ابن زيد أخرجه ابن جرير (٢٤٤١٠) وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٤ / ٥٥٨).
(٣) قاله أبو صالح بنحوه ، أخرجه ابن جرير (٢٤٤٢٧) وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٥٨).
(٤) قاله مجاهد : أخرجه ابن جرير عنه (٢٤٤٢٩).
(٥) أخرجه ابن جرير (٢٤٤٣٠) وهناد كما في الدر المنثور (٤ / ٥٥٨).