وقوله ـ عزوجل ـ : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) :
قال أهل التأويل (١) : صل بأمر ربك ، وتأويل قولهم هذا صل بأمر ربك ؛ لأنه أمره أن يصلي لله بقوله : (أَقِمِ الصَّلاةَ) [الإسراء : ٧٨] ، وقوله : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) [البقرة : ٤٣] ، فيكون قوله : (وَسَبِّحْ) أي : صل بأمر ربك الذي أمرك بقوله : (أَقِمِ الصَّلاةَ) [الإسراء : ٧٨] ، ولو لا صرف أهل التأويل التسبيح في هذه الآية إلى الصلاة وإلا يجوز أن يصرف إلى غيرها من الأذكار في كل وقت ، لكن صرفوا إلى الصلاة ؛ لأن الصلاة تشتمل على معان : قولا وفعلا ، وسائر الأذكار لا تشتمل إلا معنى الذكر قولا ، فهي أجمع وأشمل لذكره ، والله أعلم.
ثم قوله : (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) : قبل صلاة الفجر ، (وَقَبْلَ غُرُوبِها) صلاة العصر.
وقال بعضهم : (قَبْلَ غُرُوبِها) الظهر والعصر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ) قيل (٢) : صلاة المغرب والعشاء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَطْرافَ النَّهارِ) ؛ قيل : صلاة الفجر والعصر ؛ فهو على التكرار والإعادة تأكيدا ؛ كقوله : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) [البقرة : ٢٣٨] ، ذكر الصلوات بجملتها ، ثم خص الصلاة [الوسطى] بالذكر لمعنى ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون قوله : (وَأَطْرافَ النَّهارِ) تكرارا منه لصلاة الفجر والعصر لمعنى.
وجائز أن يكون قوله : (وَأَطْرافَ النَّهارِ) أنه ليس على إرادة وقت دون وقت ، ولكن يريد به الأوقات كلها ، وعلى ذلك يخرج قول من قال في قوله : (وَقَبْلَ غُرُوبِها) : صلاة الظهر والعصر ، والله [أعلم].
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَعَلَّكَ تَرْضى) بالنصب والرفع جميعا ، أي : يرضيك ربك بما عملت أو يرضى بذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ).
هذه الآية تحتمل وجهين :
أحدهما : (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) أي : لا ترغبن في هذه الدنيا ، ولا تركنن إلى ما متع به هؤلاء من ألوانها وزهرتها ، وهو كقوله تعالى : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ ...) الآية [التوبة : ٥٥].
والثاني : قوله : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) على حقيقة مدّ البصر ، أي : لا تمدن بصرك إلى أعين الدنيا وإلى ظاهر ما هم عليه من الغرور والتزيين ، ولكن انظر إلى الدنيا إلى ما
__________________
(١) قاله البغوي (٣ / ٢٣٦).
(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٤٤٤٨) ، وعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور.