عن أن يعرف غيرها من الكتب التي كانت على غير لسانه ، ثم أخبر عن الأنباء التي كانت في الكتب المتقدمة على ما كانت فيها ؛ دل أنه إنما عرف تلك الأنباء والقصص التي كانت في كتبهم بالله تعالى ، فهذا ـ والله أعلم ـ تأويل قوله : (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) أي : قد أتاهم على ما ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ) ، أي : من قبل رسوله ، (لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) ، من الناس من يقول : ليس لله أن يعذبهم تعذيب إهلاك قبل أن يبعث رسولا ، ويحتج بظاهر هذه الآية : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً).
وعندنا : له أن يهلكهم بعذاب قبل بعث الرسول إليهم ؛ لأنه تعالى قد أقام عليهم حجة العقل ما لو تأملوا أو نظروا فيه ، لعرفوا وأدركوا حق الله عليهم ، فإذا كان كذلك فكان إهلاكه إياهم إهلاكا عن بينة وحجة ، لكنه بفضله ورحمته لا يهلكهم بأول آية يرسل عليهم حتى يرسل الآيات ؛ إفضالا منه ومنة ، وإلا كان له إهلاكهم بآية واحدة ؛ فيكون قوله : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا ...) كذا ، إنما ذلك لقطع ذلك القول منهم ، لا أن كان لهم ذلك القول والاحتجاج بذلك ؛ ولأن قوله : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا ...) كذا يخرج مخرج الامتنان به أنه لم يهلكهم قبل بعث الرسول ؛ فدل أن له إهلاكهم قبل بعث الرسول ؛ لما ذكرنا من إقامة حجة العقل عليهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ) كانوا يتربصون هلاك رسول الله صلىاللهعليهوسلم وانقلاب أمره ، ورسوله الله يتربص بهم عذاب الله ومواعيده فيهم.
قال الحسن : (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا) ، أي : تربصوا أنتم مواعيد الشيطان ، ونحن نتربص مواعيد الله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى).
قوله : (فَسَتَعْلَمُونَ) في الآخرة علم عيان (مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى) نحن أو أنتم ، وفي الدنيا لو تأملوا ونظروا ، لعلموا علم استدلال وإدراك من أصحاب الصراط السوي؟
قال بعضهم (١) : (الصِّراطِ السَّوِيِ) : العدل.
وقال [بعضهم] : السوي : القيم.
وفي حرف ابن مسعود وأبي : ومن اهتدى ومن على الهدى.
__________________
(١) قاله السدي وأخرجه ابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٤ / ٥٦١).