وفي حرف ابن مسعود وأبي وحفصة : لو كان فيهن آلهة لفسدن.
ثم يحتمل قوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) وجوها :
أحدها : (لَفَسَدَتا) ، أي : لم يكونا من الأصل ؛ لأن العرف في الملوك أن ما بني هذا وأثبته يريد الآخر نقضه وإفناءه ، فلم يثبتا ولم يكونا من الأصل لو كانا لعدد.
والثاني : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) : لم تكن منافع إحداهما متصلة بمنافع الأخرى للخلق ؛ إذ يمنع كل واحد منهما منافع ما خلق هو من أن تصل إلى الأخرى ، فإذا اتصلت منافع إحداهما بالأخرى ، دل أنه صنع واحد وتدبير واحد لا عدد.
والثالث : لو كان عددا ، لكان لا يخرج تدبيرهما على حد واحد في كل عام ، فإذا اتسق التدبير وجرى الأمر في كل عام على سنن واحد ؛ دل أنه تدبير واحد لا عدد ؛ إذ لو كان لعدد لكان يختلف الأمر في كل عام ولم يتسق على سنن واحد ، ولا جرى على أمر واحد.
وقال بعضهم : هو قول الله : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) [المؤمنون : ٩١] على ما هو من عادة ملوك الأرض.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) من الولد والشريك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ).
هذا يحتمل وجوها :
أحدها : أنه لا يسأل ؛ لأن ما يفعل يفعل في ملكه وسلطانه ، وإنما يسأل من فعل في سلطان غيره وملك غيره ، ففي ذلك دلالة أنه لا يجوز التناول في شيء إلا بالأمر والإباحة من مالكه ، فيبطل قول من يقول : هو على الإطلاق والإباحة في الأصل.
والثاني : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) ؛ لأنه حكيم بذاته لا يخرج فعله عن الحكمة ، فإنما يسأل من يحتمل فعله السفه ، فأما من لا يحتمل فعله إلا الحكمة ، فإنه لا يحتمل السؤال : لم فعلت؟ ولما ذا فعلت؟
والثالث : لو احتمل السؤال عما يفعل لاحتمل الأمر والنهى : أن افعل كذا ، ولا تفعل كذا ، وذلك محال ، ولو ثبت الأمر فيه لكان يخرج سؤاله سؤال حاجة ؛ لأن من يأمر من فوقه بأمر فإنما يكون أمره سؤال حاجة ، ومن يأمر من دونه فيكون أمره أمرا.
وقوله : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ).
فيه دلالة لزوم الدليل على النافي ؛ لأنه لما قال : (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) كان لهم أن يقولوا : هات أنت البرهان على ما ادعيت من الألوهية ، ونحن ننكر ذلك ، فإذا لم يكونوا