(لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢].
وقوله : (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) [الأنبياء : ٢١] ونحوه ، يبين بهذا كله فساد ما ادعوا على الله أنه اتخذ كذا.
ثم اختلف في قوله : (كانَتا رَتْقاً) : قال بعضهم (١) : فتق السماء بالمطر ، والأرض بالنبات : فتق السماء ، وهي أشد الأشياء وأصلبها بألين شيء وهو الماء ، وكذلك الأرض فتقها بألين شيء وهو النبات مع شدتها وصلابتها ، وهو ما ذكرنا من لطفه وقدرته.
وقال بعضهم (٢) : (كانَتا رَتْقاً) ملتزقتين ، ففتقهما أي : جعل بينهما هواء مكانا لتخلق.
وقال بعضهم (٣) : كانت السماء واحدة والأرض كذلك ، فجعل من السماء سبعا ومن الأرض كذلك سبعا ، فكذلك فتقه إياهما ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ).
قال بعضهم (٤) : الماء نطفة الرجال منه يخلق الخلائق.
وقال بعضهم : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ) الذي خلق في الأرض ، أو أنزل من السماء حياة كل شيء ، يعلم حياة خلائق الأرض بهذا الماء (٥) ، ولكن لا يعلم حياة أهل السماء بما ذا؟ والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ).
هذا يدل أن الأرض لم يكن من طبعها في الأصل التسفل والتسرب في الماء على ما قاله بعض الناس ؛ لأنه لو كان طبعها التسفل والتسرب لكان الجبال تزيد التسفل في الماء والتسرب ، فإذا لم يكن دل أن طبعها كان الاضطراب والزوال والتحرك والميد فأصلها : ليس التسفل والتسرب ولكن على ما ذكرنا فأثبتها بالجبال ، وإن كنا نشاهد بعض أجزائها أنها تسفل وتسرب ، وهذا كما نقول : إن بعض العالم متعلق ببعض وأنه لا يخلو عن مكان ، وكل العالم لا تعلق له به ولا الأمكنة آخذة لها ، فعلى ذلك الأرض.
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه الفريابي وعبد بن حميد والحاكم وصححه ، والبيهقي في الأسماء والصفات عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٦٩) ، وهو قول عكرمة وعطية وابن زيد.
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٤٥٥٢ ـ ٢٤٥٥٤) وهو قول الحسن وقتادة وسعيد بن جبير.
(٣) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٤٥٥٦ ـ ٢٤٥٥٨) وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٧٠).
(٤) قاله أبو العالية ، أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٧٠).
(٥) ينظر : اللباب (١٣ / ٤٨٨).