وعندنا : أنه خلقه عجولا حتى لا يصبر على حالة واحدة وإن كانت الحالة حالة نعمة ورخاء حتى يمل عنها ويسأم ويريد التحول إلى حالة هي دون تلك الحالة ويرضى بشيء دون ، لكنه وإن خلقه على ما أخبر جعل في وسعه رياضة [نفسه] حتى يصير صبورا حليما ، وهو ما أخبر (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً* إِلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) [المعارج : ١٩ ـ ٢٣] أخبر أنه خلقه هلوعا ، ثم استثنى المصلين ؛ دل أنه بالرياضة يتحول عن الحالة التي خلقه إلى حالة أخرى ، وهي حالة الحلم والصبر ، وكذلك ما أخبر : (وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) [الإسراء : ١٠٠] كان كذلك في الابتداء ، لكنه بالرياضة والعادة يصير سخيّا جوادا ، وكذلك ما قال : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) [النساء : ١٢٨] ، ثم قال : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) [الحشر : ٩] ، أخبر أن الأنفس أحضرت الشح ، ثم أخبر أن من يوق شح نفسه فله كذا ؛ دل بهذا كله أنه بالرياضة والعادة يحتمل التحول إلى حالة السخاء والجود بعد ما كان شحيحا قتورا بخيلا ؛ فعلى ذلك ما ذكر من العجلة والهلع والجزع فيه يحتمل بالرياضة والعادة إلى أن يصير حليما صبورا في الأمور غير ملول فيها ، وليست المحنة إلا الرياضة والعادة ، فأمره أن يروض نفسه ويعودها القيام بجميع ما أمره الله ، ويكفها عن جميع ما نهى عنه ، فيعتاد اتباع أمره والانتهاء عن نهيه ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ).
يشبه أن يكونوا سألوا رسول الله الآيات على رسالته أنه رسول ، أو سألوه آيات على وحدانية الله وربوبيته ، فقال : (سَأُرِيكُمْ آياتِي) ، من الوجه الذي يريد ربي ويبين لكم ذلك ، لا من الوجه الذي تريدون أنتم وتسألونه.
وقال بعض أهل التأويل : سأريكم آياتى فيما نزل من العذاب فيهم وفي منازلهم ، فلا تستعجلون أنتم العذاب على من كان قبلكم من الأمم بتكذيبهم الرسل ، فإن سافرتم وضربتم في الأرض رأيتم آثار العذاب فيهم وفي منازلهم ؛ فلا تستعجلون أنتم العذاب الذي يعد لكم الرسول ، كأنه يخوفهم العذاب ويعد لهم إياه ، فكذبوه في ذلك فقال عند ذلك ما قال ، ويقولون أيضا : (مَتى هذَا الْوَعْدُ) الذي وعدنا (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) بأنا نعذب.
وجائز أن تكون الآية فيهم بتكذيبهم الساعة والقيامة وإنكارهم إياها ، فقال : (سَأُرِيكُمْ آياتِي) التي تكون قبل وقوعها (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) وقوعها ووجوبها ؛ دليله ما ذكر : (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) ، وقوله : (بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً ...) الآية.