وقوله ـ عزوجل ـ : (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ما نزل بهم بوقوع القيامة حتى لا يملكون كفها عن وجوههم ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون ، إنما تحيط بهم حتى لا يملكون هم دفعها عن أنفسهم ، ولا يملك ما اتخذوا أنصارا وأعوانا في الدنيا دفع ذلك أيضا ، وهو كقوله : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ ...) الآية [الزمر : ١٦] ، وقوله : (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الزمر : ٢٤].
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً).
أخبر أنها تأتيهم بغتة ـ أي : فجأة ـ لا يعلم أهلها عن وقت وقوعها (فَتَبْهَتُهُمْ) ، قال أهل التأويل : (فَتَبْهَتُهُمْ) : فتفجأهم ، والبهتة كأنها حيرة ، يقول : تأتيهم بغتة فجأة فتحيرهم ، وهو ما أخبر : (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى) ؛ وذلك لحيرتهم في أنفسهم ، وهو ما ذكر : (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ ...) الآية [إبراهيم : ٤٢] ؛ يصيرون حيارى ؛ لشدة أهوالها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ).
أخبر أنهم لا يملكون دفعها إذا وقعت بهم ، (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) في وقوعها أن من ابتلى بالبلايا في الشاهد فإنما يملك دفعه عن نفسه إما بقوة نفسه ، وإما بأعوان وأنصار ينصرونه ويعينونه في دفعه عنه ، وإما بالتضرع والابتهال والاستسلام ، كقوله : (فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا ...) الآية [الأنعام : ٤٣] ، فأخبر عزوجل : لا يملكون دفعها بقوى أنفسهم ولا بأنصارهم الذين استنصروا ؛ حيث قال : (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) ، (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) بالتضرع والاستسلام.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ).
فيه تصبير رسول الله على ما يستهزءون به ؛ لأنه قال : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) ، أي : لست بأول رسول لله استهزأ به قومه ، فيه تخويف أولئك باستهزائهم به بما نزل بأوائلهم باستهزائهم برسلهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَحاقَ) قال أهل التأويل (١) : حاق : نزل ووجب ووقع وأمثاله.
وقال بعض أهل المعاني : الحيق : هو ما اشتمل على الإنسان من مكروه ، أي : بفعله ؛ كقوله : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر : ٤٣] ، وقال [بعضهم] : حاق ، أي : رجع عليهم وأحاط بهم.
__________________
(١) قاله ابن جرير (٩ / ٢٩) ، والبغوي (٣ / ٢٤٥).