ويعيب عليهم لعبادتهم ما ينحتون هم بأيديهم ويتركون عبادة من خلقهم وخلق أعمالهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ).
قد انقطع حجاجهم لما قال لهم إبراهيم ما قال وأظهر سفههم ، ففزعوا إلى تقليد آبائهم فقالوا : (وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ. قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، لم ينكر عليهم فعل آبائهم وعبادتهم الأصنام ، ولكن أقر لهم بصنيع آبائهم ، ثم جمعهم وآباءهم وأخبر : (أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) بعبادة الأصنام.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ).
لما علموا أن مثل هذا القول لا يقوله إلا من كان عنده حجة وبرهان ، فقالوا : أجئتنا بما تقول بحجة ، (أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) تلعب بنا وتهزأ؟ وأخبر أنه جاءهم بالحق وبين لهم ذلك الحق فقال : (بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَ) لا الأصنام التي تعبدونها ، أي : (رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الذي يعرف بالدلالات والبراهين وآثار الصنعة في غيره ، لا الذي أحدثتم أنتم واتخذتموه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ).
يحتمل : وإنا على جميع ما قال وكان منه من الحجاج وإقامة الحجج على ألوهية الله تعالى وتسفيه أولئك في عبادة الأصنام ـ من الشاهدين ، أو من الشاهدين على خلقها.
ويجوز أن يقال : الشاهد : المبين ، وأنا على ذلكم من المبينين ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ).
إن الأصنام لا يقصد إليها بالكيد ، لكن تأويله ـ والله أعلم ـ لأكيدن لكم في أصنامكم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) قال عامة أهل التأويل : إن إبراهيم إنما قال ذلك : (لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) من الأصنام إلى عيدهم ؛ لأنهم كانوا يخرجون إلى عيدهم من الغد ، فقال : (لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) ، أي : لأكيدن لكم في أصنامكم (بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) منها إلى عيدكم.
وجائز أن يكون قوله : (لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) عني ، وكانوا في ذلك الوقت بحضرة الأصنام ؛ ألا ترى أنه قال لهم : (ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) ، ومثل هذا الكلام لا يقال إلا بحضرة الأصنام ؛ لأنه أشار إلى الأصنام فقال : (ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) ، فقال عند ذلك : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) ، أي : لأكيدن لكم في أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين عنى ؛ على التأويل [الأول] يكون توليهم الأدبار عن الأصنام إلى عيدهم ، وعلى التأويل الثاني يكون توليهم الأدبار عن إبراهيم ، والله أعلم.