قال الحسن (١) : رشده : دينه وهداه.
وقال غيره : رشده : النبوة.
ويشبه أن يكون قوله : (آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ) حججه وبراهينه التي حاج بها قومه على غير تعليم من أحد ، وفيه دلالة أن ليس كل رشد وهدى بيانا ؛ لأنه لو كان كله بيانا لم يكن لتخصيص إبراهيم بالرشد كثير معنى ؛ إذ هو في ذلك البيان وغيره من الكفرة والفراعنة سواء ، فدل قوله : (آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ) أنه يكون من الله للمهتدين فضل صنع ليس ذلك في الكافرين ، وهو التوفيق والعصمة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مِنْ قَبْلُ) قال بعضهم (٢) : من قبل الأوقات التي يعطى البشر الرشد وهو حال الصغر.
ويحتمل قوله : (مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل محمد.
وقال بعضهم (٣) : من قبل موسى وهارون.
ويحتمل : (آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ) من قبل إيمان أهل الأديان كلها ؛ لأن جميع أهل الأديان يدعون أنهم على دين إبراهيم ، فلا يحتمل أن يكون دينه ورشده الذي آتاه الله هو كل ذلك ، بل إنما كان ذلك واحدا ، فوجب النظر فيه والتأمل في ذلك ؛ ليظهر الدين الذي كان عليه إبراهيم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ).
يحتمل قوله : (وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ) ، أي : بالرشد والدين الذي عليه إبراهيم عالمين من قبل.
أو أن يكون قوله : (وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ) ، أي : كنا بجميع ما يكون من إبراهيم عالمين.
وقوله تعالى : (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) كأنه قال : ما هذه التماثيل التي اتخذتموها (أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) ، أي : إنما يعبد من يعبد لفعل يكون من المعبود إلى من يعبده ، فأما أن يعبد ما يفعله [من] المعبود فلا يحتمل ، وهو ما قال إبراهيم : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ. وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) [الصافات : ٩٥ ، ٩٦] يسفههم
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٤٦٢٣).
(٢) انظر : تفسير البغوي (٣ / ٢٤٧).
(٣) انظر : تفسير البغوي (٣ / ٢٤٧).