وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) هذا ظاهر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) :
جائز أن يكون قوله : (كُونِي بَرْداً وَسَلاماً) أي : جعلها في الخلقة بردا وسلاما على إبراهيم خاصة ، وأما على غيره فهي على ما هي في طبعها من الإحراق والحر ؛ فيكون ذلك من أعظم آيات رسالة إبراهيم ونبوته.
أو أن يكون على الوحي والإلهام على ما قاله أهل التأويل : إنه أوحى إليها أن (كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) ، لكنه إن كان على هذا فجائز أن يجعل في سريتها ما تفهم أمره ويمكن فيها ما تفطن ذلك فلم تحرقه.
وقول أهل التأويل (١) : إنها بردت حتى لم ينتفع به أهل المشرق والمغرب ثلاثة أيام ، فذلك لا يعلم إلا بالسمع (٢).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً).
الكيد : هو الأخذ من حيث الأمن ، فجائز أن يكونوا كادوه أن حبسوه في موضع ، ثم جمعوا عليه الحطب من غير أن علم هو ذلك ، ثم أوقدوا عليه النار.
أو أن يكون أخذوه مغافصة ، فجعلوه في المنجنيق ثم رموه في النار ؛ على ما قاله بعض أهل التأويل (٣).
أو أن يكونوا كادوه كيدا آخر سوى ذلك فنحن لا نعلم ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ).
لا شك أنهم في الآخرة من الأخسرين ، وأما خسرانهم في الدنيا فلا نعلم ذلك الخسران ، والله أعلم به.
وقال بعضهم (٤) في قوله : (وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً) : وذلك أنه لما جعل في النار أنجاه الله منها ، وجعلها عليه بردا وسلاما على إبراهيم ، وأمره الله تعالى بالخروج إلى الأرض المقدسة ، فخرج إليها فطلبوه وبعث ملكهم إلى أصحاب المناظر فقال : لا يمر بكم إنسان يتكلم بالسريانية إلا حبستموه ، قال : فحول الله لسانه بالعبرانية ، فمر بهم فعبر عليهم ، فانطلق إبراهيم متوجها نحو أهله ، فذلك قوله : (وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) ،
__________________
(١) قاله كعب بنحوه ، أخرجه ابن جرير (٢٤٦٥٧) وعبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة عنه ، وبمثله عن ابن عباس وعلي بن أبي طالب.
(٢) ينظر : اللباب (١٣ / ٥٤١ ، ٥٤٢).
(٣) انظر : تفسير البغوي (٣ / ٥٩).
(٤) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن سعد عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٨١).