فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) [النساء : ٩٢] ذكر في الأولين الدية والكفارة جميعا ، ثم خص الثالثة بذكر الكفارة دون الدية ؛ فدل التخصيص له بأحدهما على أن ليس عليه الآخر ؛ لأنه لو لم يكن كذلك ، لكان يذكر في الأول الدية والكفارة ، ولا يذكر في الآخرين ، فيكون ما ذكر في الأول غير مذكور في الآخرين ، أو لا يذكر ذلك كله في الكل ، فإذا لم يفعل هكذا ، ولكنه ذكر كل الواجب في الاثنين على الإبلاغ ، وترك في الواحد أحدهما وذكر الآخر ؛ فدل تخصيص الثالث بأحد الحكمين على أن ليس عليه الآخر.
ثم استدلوا بهذه الآية على جواز العمل والقضاء باجتهاد الرأى ، فمنهم من استدل بإصابة المجتهد فيما يجتهد ، وإن لم يصب هو الحكم الذي هو حكم عند الله فيه حقيقة ، وهو قول من يقول : كل مجتهد مصيب فيما عليه من الاجتهاد في تلك الحادثة ، وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهماالله.
ومنهم من يستدل به بخطإ أحد المجتهدين وعذره في خطئه ، فيذهب إلى أن المقصود مما كلف من الحكم في ذلك واحد لا حكمين مختلفين ، فإذا كان المقصود مما كلف من الحكم فيه واحد ؛ فلا يجوز أن يحكم اثنان في شيء واحد بحكمين مختلفين والمقصود فيه واحد ، فيكونان جميعا مصيبين ، خص أحدهما بالتفهيم بقوله : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) ، فلو كانا جميعا مصيبين كانا جميعا مفهمين ، فإذا أخبر أنه فهم سليمان ولم يفهم الآخر ، دل أن المصيب هو المفهم منهما ، وهو قول أبي حنيفة وبشر وغيرهما.
ومن استدل بإصابته يستدل بقوله : (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) أخبر أنه آتاهما حكما وعلما ؛ فدل ذلك على أنه لم يكن عليهما غير ما فعلا وحكما فيه ، وإن لم يصيبا الحكم الذي هو حكم حقيقة عند الله.
ثم ذكر في الآية : أنهما يحكمان في الحرث ، ولم يذكر أنهما حكما بالضمان والبراءة عن الضمان وأى شيء كان حكمهما ؛ فدل ترك بيان ما حكما فيه على أن ليس علينا ذلك الحكم ؛ إذ بين لنا ما علينا العمل فيه وهو العمل بالاجتهاد ؛ حيث قال : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) ، ولم يبين لنا الحكم الذي حكما فيه ، فدل بيان أحدهما وترك بيان الآخر على أن ليس علينا الذي ترك ذكره وبيانه ، إلا أن أهل التأويل حملوا حكمهما على الضمان والبراءة ، وعلى ذلك روي في الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : روي : أن ناقة لرجل هاربة دخلت حائط رجل فأفسدت ما فيه ، فكلم رسول الله فيها ، فقضى أن حفظ الحوائط