ذكروا ، فما ينبغي لأولئك أن يفهموا من قوله : (وَما تَعْبُدُونَ) : عيسى وعزير [و] الملائكة [و] هؤلاء ، ويقولون : هؤلاء عبدوا دون الله فهم حصب جهنم على زعمكم ، إلى هذا يذهب أهل التأويل ، ويقولون : ثم نزل قوله : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) قالوا : استثنى من علمه ممن عبد دون الله من سبقت له منه الحسنى ، وهو عزير وعيسى وهؤلاء ، لكن قد ذكرنا أنه لا يجوز أن يفهم من هذا هؤلاء ، ولكن الأصنام والأحجار التي عبدوها ، كقوله : (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) [البقرة : ٢٤] التي عبدوها.
أو أن يكون قوله : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) الشياطين الذين أمروهم ودعوهم إلى عبادة غير الله ، فتكون العبادة لمن دون الله للشيطان حقيقة ؛ لأنه هو الآمر لهم بذلك ، والداعي إلى ذلك دون من ذكروا ؛ لأن هؤلاء ـ أعني : عيسى وعزيرا والملائكة ـ لم يأمروهم بذلك ؛ فيكون على هذا كأنه قال : إنكم والشياطين الذين تعبدون من دون الله حصب جهنم ، وهو ما ذكر في آية أخرى : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ. مِنْ دُونِ اللهِ ...) إلى قوله : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ. قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ) [الصافات : ٢٢ ـ ٥١] دل هذا أن القرين هو الشيطان ، كقوله : (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف : ٣٦] وقوله : (حَصَبُ جَهَنَّمَ) بالصاد ، وقرئ بالطاء : حطب جهنم قال ابن عباس (١) : الحصب بلسان الزنجية : هو الحطب.
وقال بعضهم : هو حطب بلسان الحبشة ، ويقال ـ أيضا ـ بالضاد : حضب جهنم (٢) قال بعضهم (٣) : الحصب : هو الرمي ، يحصب جهنم بهم ، أي : يرمي بهم ، والحطب : هو معروف ، والحضب : هو التهيج ، أي : يهيّج النار عليهم.
وقال الكسائي : حصبت النار ، أي : ألقيت فيها الحطب ، وعن عائشة (٤) : حضب جهنم بالضاد.
وقوله : (أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) أي : واقعون فيها.
وقوله : (لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها) أي : لو كان الذين عبدوا دون الله آلهة على ما زعموا ما وردوا النار.
فإن قيل : إنهم لم يقروا أنها ترد النار.
[قيل] : لما عجزوا عن إتيان مثله فقد لزمتهم الحجة ، فكأنهم أقروا أنهم واردوها ،
__________________
(١) أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ٦٠٨).
(٢) هي قراءة ابن عباس ، قاله ابن جرير (٩ / ٨٩).
(٣) قاله الضحاك ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٤٨٢٦) وانظر : الدر المنثور (٤ / ٦٠٨).
(٤) إنما المنقول عن عائشة وعليّ : «حطب» بالطاء ، قاله ابن جرير (٩ / ٨٩).