إلى أنفسهم وهم جماعة ، وإلا لست أعرف لتأنيث فتح السدّ وجها ، والله أعلم.
وقوله : (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ) قيل (١) : الحدب : الشيء المشرف.
وقيل : الحدب : كل ما ارتفع من الأرض.
وقيل (٢) : الحدب : الأكمة.
وقيل : (مِنْ كُلِّ حَدَبٍ) : من كل جهة ومن كل مكان.
(يَنْسِلُونَ) قيل : يسرعون.
وقيل : يخرجون.
أخبر أنهم من [كل] حدب ، أي : من كل ناحية ، ومن كل جهة يسرعون ، كأنهم لما سدّ عليهم ذلك السدّ ، وحيل بينهم وبين ما يشتهون ، أي : بين ما يتعيشون ويرتزقون من هذا العالم ـ تفرقوا في تلك الأمكنة لطلب ما يتعيشون به ، فإذا بلغهم خبر فتح السد أتوا من كل جهة وناحية التي كانوا متفرقين فيها (يَنْسِلُونَ) يسرعون ؛ لأنهم مذ سدّ عليهم السدّ في جهد من فتح ذلك السدّ ، فلما فتح خرجوا مسرعين ، وهو ما ذكر : (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) [الكهف : ٩٩].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ) قوله : (اقْتَرَبَ) أي : وقع ووجب الوعد الحق ؛ لأنه قد أخبر من قبل هذا الوقت أنه قد اقترب بقوله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) [القمر : ١] و (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) [الأنبياء : ١] ، وهو كقوله : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦] ليس على القرب ، ولكن على الوجوب ، فعلى ذلك الأوّل يحتمل أن يكون إخبارا عن الوقوع والوجوب.
وجائز أن يكون على القرب أيضا ، ويكون وجوبها ووقوعها في قوله : (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) كقوله : (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ ...) الآية [إبراهيم : ٤٢] ، وكقوله : (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ ...) الآية [القمر : ٨].
وقوله : عزوجل ـ : (يا وَيْلَنا) أي : يقولون : يا ويلنا (قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) كأنهم تذاكروا فيما بينهم : إنما كنّا في غفلة من هذا ، ثم تداركوا أنهم لم يكونوا في غفلة ، ولكن قالوا : (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) في ذلك ، ضالين ؛ اعترفوا بالظلم والضلال.
وقوله : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) يقال : إن حرف (من) يتكلم عن البشر وحرف (ما) يتكلم عما سواهم من العالم ، فإذا كان على هذا الذي
__________________
(١) قاله ابن عباس وابن زيد ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٤٨١٣ ـ ٢٤٨١٥) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ٦٠٣).
(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٤٨١٤) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ٦٠٣).