(كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) من تفرق و [من] لم يتفرق ، كقوله : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [البقرة : ٢٤٥](وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [المائدة : ١٨].
وقوله : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) فيه دلالة ألا يقبل من الأعمال الصالحات إلا بالإيمان ؛ لأنه شرط في قبولها الإيمان ، كقوله : (وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ) أي : لشكر سعيه ، ويقبل ولا يجحد ولا يكفر ، كقوله : (وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) [آل عمران : ١١٥] بالياء والتاء فلن تكفروه ، وأصل الكفران : الستر ، والشكر : هو الإظهار ؛ يخبر ـ عزوجل ـ أنه لا يستر ما عملوا من الحسنات والخيرات ، بل يشكر ويظهر.
وقوله : (وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ) أي : يكتب لهم تلك الحسنات والخيرات ، كقوله : (وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ) [الأعراف : ١٥٦].
وقوله : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) و (وَحَرامٌ) بالألف أيضا ، ثم قوله : (وَحَرامٌ) ، (وَحَرامٌ) ـ على قول أهل اللسان واللغة ـ واحد ، يقال : حرم عليك كذا ، وحرام ، كما يقال : حلّ وحلال.
وأما على قول أهل التأويل فإنهم يفرقون بينهما ، فيقولون : حرم : حتم وواجب (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) أي : حتم وواجب على قرية إهلاكهم بعد ما علم (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) أي : لا يتوبون ؛ لأنه إنما يهلكهم لما علم منهم أنهم لا يتوبون.
أو أن يكون قوله : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ) أراد الله إهلاكها (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ).
وظاهر قوله : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) أن يكون لهم الرجوع ؛ لأنه يقول : (وَحَرامٌ .... أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) ، ألا ترى إلى قوله : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) وظاهره أنهم لا يرجعون ، حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج واقترب الوعد الحق ، فعند ذلك يرجعون لقوله : (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا).
أو أن يكون ذكر هذا : (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) لقول قوم ؛ لأن قوما يقولون : إن الخلق كالنبات ينبت ، ثم ييبس ، ثم ينبت ، فعلى ذلك الخلق يموتون ، ثم يعودون ويرجعون.
وبعض من الروافض يقولون : يرجع علي وفلان ، فأخبر أنهم لا يرجعون ردّا عليهم وتكذيبا لخبرهم ؛ لأن القرآن قد صار حجة عليهم وإن أنكروه لما عجزوا عن أن يأتوا بمثله ، والله أعلم بذلك كله.
وقوله : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) كأنه ـ والله أعلم ـ أضاف فتح ذلك السدّ