يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (٩٧) إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (٩٨) لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (٩٩) لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ)(١٠٠)
وقوله : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً).
قال بعضهم : إن هذه ملتكم وشريعتكم ومذاهبكم ملة واحدة وشريعة واحدة ، يعني : شريعة الإسلام ، وملة واحدة ليست بمفترقة.
وقال بعضهم (١) : إن هذا دينكم دين واحد ، ليس كدين الأمم الخالية أديانا مختلفة.
أو أن يكون الأمة ما يؤم إليها ويقصد ؛ لأن الأمة هي الجماعة ، وهي المقصودة.
وجائز أن يكون إخبارا عن هذه الأمة على دين واحد وملة واحدة ، ليسوا بمختلفين ولا بمفترقين ، كسائر الأمم الخالية ، كقوله : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا ...) الآية [آل عمران : ١٠٥] ، وقوله (وَلا تَفَرَّقُوا) الآية [آل عمران : ١٠٣] أخبر عنهم أنهم غير متفرقين ، ونهاهم عن أن يتفرقوا كما تفرق الأولون ؛ ألا ترى أنه قال على إثره : (وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) هذا يدل على أنه إخبار عن أهل الإسلام في صدر الأمر أنهم على شيء واحد.
وقال الزجاج (٢) : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) ما لزموا الحق واتبعوه ، وأما إذا تركوا لزومه وتركوا اتباعه فهي ليست بأمة واحدة ، والله أعلم.
وقوله : (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [و] قال في آية أخرى : (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون : ٥٢] ليعلم أنّ العبادة والتقوى واحد في الحقيقة ؛ لأن الاتقاء هو ما يجتنب من الأفعال والعبادة ما يؤتى من الأفعال والعبادة ، فإذا اجتنب ما يجب اجتنابه فقد أتى بما يجب إتيانه ، وإذا أتى بما يجب إتيانه فقد اجتنب ما يجب اجتنابه ، وهو كقوله : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت : ٤٥] لأنه بفعله إياها مجتنب عن الفحشاء والمنكر.
وجائز أن يكون قوله : (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) أي : توحدون ، على ما قال أهل التأويل ؛ لأنه إنما خاطب به أهل مكة.
وقوله : (وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) أخبر عن الأولين أنهم اختلفوا في دينهم وتفرقوا
__________________
(١) قاله ابن عباس ومجاهد ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٤٧٨٥ ، ٢٤٧٨٦). وانظر : الدر المنثور (٤ / ٦٠٢).
(٢) ينظر : معاني القرآن وإعرابه (٢ / ٤٤).