ثم قال بعضهم : من قرأ (السِّجِلِ) بالتشديد فهو الصحيفة ، ومن قرأ (السِّجِلِ) بالتخفيف : هو ملك موكل بالصحف ، اسمه : السجل ، ويقرأ الكتاب.
قال أبو عوسجة : (كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) قال : يقال : أسجلت وسجلت ، أي : كتبت ، إسجالا وتسجيلا ، وسجلت أيضا : عملت ، وسجل : خلق ، يقال منه : سجل يسجل سجلا ، والمساجلة : المفاخرة ، ويقال : ساجلته : فاخرته ، ويقال : أسجلت الكلام فهو مسجل ، أي : أطلقته وأرسلته ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ).
قال بعضهم (١) : إن كل كتب الله التي أنزلها هي زبور.
(مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) أي : الكتاب الذي عند الله وهو اللوح المحفوظ ، معناه ـ والله أعلم ـ على هذا التأويل : كتبنا في الكتب التي أنزلناها بعد ما كان مكتوبا في اللوح المحفوظ (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها ...) كذا.
وقال بعضهم (٢) : كتب الله في الزبور المعروف ، وهو زبور داود بعد ما كتب (مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) أي : التوراة (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها) يعني : الجنة (يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) وكتب ذلك في هذا القرآن فقال : (إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ).
وقال بعضهم : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ) ، أي : زبور داود بعد ما كتب في الذكر الذي عنده.
وجائز أن يكون قوله : (كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ) : في بعض كتاب ، أي : في بعض السور : (مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) ، أي : من بعد السورة (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها) كذا.
وجائز أيضا : (كَتَبْنا) في كتاب (مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) ، أي : من بعد ما ذكرهم ووعظهم (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها) كذا.
ثم اختلفوا في قوله : (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) :
قال عامة أهل التأويل (٣) : هي الجنة ؛ أخبر أن الجنة إنما يرثها عبادي الصالحون ، وهو ما ذكر في آية أخرى : (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ. الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ)
__________________
(١) قاله سعيد بن جبير ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٤٨٦٥ ، ٢٤٨٦٦) ، وعن مجاهد (٢٤٨٦٧ ، ٢٤٨٦٨) وابن زيد (٢٤٨٦٩) وانظر : الدر المنثور (٤ / ٦١٢).
(٢) قاله الشعبي أخرجه ابن جرير عنه (٢٤٨٧٣ ، ٢٤٨٧٤) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ٦١٢).
(٣) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير عنه (٢٤٨٧٥ ، ٢٤٨٧٦) ، وعن سعيد بن جبير (٢٤٨٧٧ ، ٢٤٨٧٩) وأبي العالية (٢٤٨٧٨) وغيرهم ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ٦١٢).