تقدم ، ثم تتلاشى وتفنى حتى لا يبقى منها شيء ، كما ذكر (هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان : ٢٣] ؛ فعلى ذلك السموات والأرضون يختلف عليها الأحوال على ما ذكر ، ثم آخرها التبديل كما ذكر (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) [إبراهيم : ٤٨] فيما ذكر في هؤلاء الآيات من تغيير الجبال والسموات والأرضين دليل فناء هذا العالم بجملته وأسره ؛ لأن فناء السموات والأرض والجبال يبعد عن أوهام الخلق ، وأمّا غيرها من الخلائق فإنهم يشاهدون فناءه ، فذكر فناء ما يبعد في أوهامهم ، ليعلموا أن هذا العالم يفنى بأسره ، ويستبدل عالما آخر ، يحتمل البقاء للجزاء ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ).
هذا أيضا لا يحتمل إلا على تقدم ذكر ، فهو محتمل ما ذكرنا مما سبق من ذكر أهل الجنة وأهل النار ، فقالوا : كيف يحيون؟ فقال عند ذلك : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) ثم اختلف فيه :
فقال بعضهم : نطفا ، ثم علقا ، ثم مضغا ، ثم عظاما ، ثم لحما ، ثم ينفخ فيهم الروح.
وقال بعضهم (١) : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) حفاة عراة على ما خلقوا في الابتداء.
وقال بعضهم : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) يعني : السموات السبع يطويها الله فيجعلها سماء واحدة كما كانت أولا قبل أن يخلق فيها ست سماوات ، والأرضين كذلك.
وجائز أن يكون ذكر هذا إخبارا أنه قادر على أن يعيدهم كما قدر على ابتداء خلقهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) أي : بعثهم (وَعْداً عَلَيْنا) لا يختلف ذلك على ما قال : (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) [آل عمران : ٩] ثم اختلف في السجل ، وفي قراءته :
قال بعضهم (٢) : السجل : اسم رجل ، وهو كاتب رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقال بعضهم (٣) : هو اسم الملك الذي يكتب.
وقال بعضهم (٤) : السجل : الصحيفة.
__________________
(١) ورد في معناه حديث عن ابن عباس أخرجه البخاري (٤٧٤٠) ، ومسلم (٥٨ / ٢٨٦٠) والنسائي (٤ / ١١٤) ، والترمذي (٢٤٢٣ ، ٣١٦٧) ، وابن جرير (٢٤٨٥٦ ـ ٢٤٨٦٠).
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٤٨٤٨ ، ٢٤٨٤٩) ، وأبو داود والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مندة في الصحابة ، وابن مردويه والبيهقي في سننه وصححه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٦١١).
(٣) قاله ابن عمر والسدي ، أخرجه ابن جرير (٢٤٨٤٦ ، ٢٤٨٤٧) وابن أبي حاتم عنهما ، كما في الدر المنثور (٤ / ٦١٠ ، ٦١١).
(٤) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٤٨٥٠ ، ٢٤٨٥١) ، وعن مجاهد (٢٤٨٥٢ ، ٢٤٨٥٣).