أو (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) ، أي : لا يحزنهم ما يحل بالكفرة من الفزع والعذاب ، كمن رأى في الدنيا إنسانا في بلاء وشدة ، أو يعذب بعذاب ، فإنه يحزن ويهتم بما حل به ، فأخبر أنّهم لا يحزنون بما حل بالكفرة من العذاب والشدائد.
قال أبو عوسجة : (حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٩٨] قال : الحصب والحطب واحد ، قال : وما أكثر من العرب من يتكلم بهذه اللفظة ، قال : ولا أعرف حضب جهنم بالضاد.
وقال غيره ما ذكرنا من إلقاء الحطب فيه والتهييج.
وقوله : (أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) أي : داخلون.
وقوله : (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ) الزفير : هو شدة النفس في الصّدر ، يقال : زفر يزفر زفيرا.
وقال بعضهم : الزفير : هو أنين كل محزون ومكروب ، وهو قريب ممّا ذكرنا.
وقوله : (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) ، أي : صوتها ، وهو من الحس : وهو الصّوت.
وقال القتبي (١) : حصب جهنم : ما ألقي فيها ، وأصله : من الحصباء ، وهي الحصاة ، ويقال : حصبت فلانا ـ أي : رميته ـ حصبا بتسكين الصّاد ، وما رميت به حصب ، بفتح الصّاد ، وكما تقول : نفضت الشجرة نفضا ، وما وقع نفض ، واسم حصى الجمار : حصب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) كأن هذا خرج على إثر سؤال سألوه على غير ابتداء ؛ لأن الابتداء بمثله على غير تقدم أمر لا يحتمل ، فكأنه ـ والله أعلم ـ لما ذكر أهل النار في قوله : (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) إلى قوله : (أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) وذكر أهل الجنة ووصفهم بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ...) إلى آخر ما ذكر من قوله : (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) فكأنهم قالوا : متى يكون ذلك؟ فقال عند ذلك : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) أخبر أن السماء تطوى كما يطوي السجل الكتب.
ثم ذكر في السماء الطي مرة والتبديل في آية بقوله : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ...) الآية [إبراهيم : ٤٨] ، وذكر [الانفطار و] الانشقاق في آية ، كقوله : (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) [الانفطار : ١] و (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) [الانشقاق : ١] ونحوه ، كما ذكر في الجبال أحوالا ، مرة قال : (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) [القارعة : ٥] ، وقال في آية [أخرى] : (يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً) [طه : ١٠٥] وقال في آية أخرى : (هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان : ٢٣] وقال في آية أخرى : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) [النمل : ٨٨] ونحوه ، فجائز أن يكون كذلك على اختلاف الأحوال ، على ما ذكرنا فيما
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٨٨).