حَصَبُ جَهَنَّمَ) قالت الكفرة : إن عيسى وعزيرا والملائكة قد عبدوا من دون الله فهم حصب جهنم ، فنزل قوله : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) استثنى من سبق له الحسنى منه ، وهو عيسى وهؤلاء ، وكذلك في حرف ابن مسعود : إلا الذين سبقت لهم منا الحسنى على الاستثناء.
عن علي (١) ـ رضي الله عنه ـ قال : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ...) الآية : ذاك عثمان وطلحة والزبير ، وأنا من شيعة عثمان وطلحة والزبير ، ثم قال : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ...) الآية [الأعراف : ٤٣].
ولكن قد ذكرنا الوجه فيه ، فإن ثبت أنه نزل بشأن هؤلاء وإلا فهو لكل من سبق له من الله الحسنى.
ثم (الْحُسْنى) يحتمل الجنة ، كقوله : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) [الليل : ٥ ، ٦] أي : بالجنة ، فعلى ذلك قوله : (سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) ، ويحتمل (الْحُسْنى) : السعادة والبشارة بالجنة وثوابها.
وقوله : (أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) أي : لا يعودون إليها أبدا ، ليس على بعد المكان كقوله : (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) [إبراهيم : ٣] أي : لا يعودون إلى الهدى أبدا.
أو أن يكون قوله : (مُبْعَدُونَ) عنها مكانا ، لكن قد ذكر في آية : (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ. عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ) [المطففين : ٣٤ ، ٣٥] وقال في آية : (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) [الصافات : ٥٥] ولا نعلم هذا أنه يجعل في قوى أهل الجنة أنهم متى ما أرادوا أن ينظروا إلى أولئك ويروهم يقدرون على ذلك ؛ أو تقرب النّار إليهم فينظرون إليهم ، والله أعلم ، والأوّل أشبه أنهم لا يعودون إليها أبدا.
وقوله : (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) أي : صوتها ، وهو ما ذكر من الإبعاد ، وإذا بعدوا منها لم يسمعوا حسيسها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ) وهو ما قال في آية أخرى : (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ) [الزخرف : ٧١].
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) أي : لا يحزنهم أهوال يوم القيامة وأفزاعها (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) أي : تتلقاهم الملائكة بالبشارة ، كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا ...) الآية [فصلت : ٣٠].
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٤٨٣٠) وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ٦٠٩).