تَرَوْنَها تَذْهَلُ) أي : تشغل كل مرضعة ؛ لشدّة أهوالها وأفزاعها (وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها) هذا على قول من يقول : إن زلزلة الساعة قبل السّاعة قبل السّاعة يكون على التحقيق ، أي : تذهل عما أرضعت ، وتضع حملها ؛ لأنها تكون في ذلك الوقت مرضعا وحاملا ؛ فتذهل ـ لأهوال ذلك وأفزاعه ـ عن ولدها ، وتضع ما في بطنها ، كقوله : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ...) الآية [عبس : ٣٤] ، فذكر هؤلاء ؛ لأن من أصاب شيئا من البلاء في هذه الدنيا يفزع إلى هؤلاء ، فيخبر أن في ذلك اليوم يفر بعض من بعض لشدة ذلك اليوم وهوله ؛ لشغله بنفسه.
وعلى قول من يقول : إن زلزلة الساعة هي الساعة ؛ فيخرج قوله : (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ...) الآية على التمثيل ، أي : تذهل عما أرضعت أن لو كانت مرضعة ، وتضع حملها أن لو كانت حاملا ؛ لشدته وهوله. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى) أي : من مكن له وقوي يرى الناس كأنّهم سكارى وما هم بسكارى ، وإلا لم يجز أن يراهم سكارى وليسوا هم بسكارى في الحقيقة.
وإنما قلنا : إنه يرى من مكّن له وقوي ، وإلا لو كانوا كلهم سكارى ، لكان لا يراهم سكارى ؛ لأن السكران لا يرى من كان في مثل حاله سكران.
أو أن يكون خاطب به رسوله ، ولا يكون فيه ذلك الهول الذي يكون في غيره.
أو أن يكون ذلك على التمثيل ، ليس على التحقيق.
وقول أهل التأويل : يقول لآدم في ذلك : «قم فابعث بعث النار» ، فيقول : يا ربّ كم؟ فيقول : «من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين في النار ، وواحد في الجنة» ، ويروون الأخبار في ذلك عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١) ، فإن ثبت ما روي عنه في ذلك وإلا الكف عن مثله أولى ؛ لأنه يحزن حيث يؤمر أن يتولى بعث ولده إلى النار من غير أن كان ما يستوجب هذه العقوبة.
قال القتبي : (تَذْهَلُ) : أي تسلو عن ولدها وتتركه.
وقال أبو عوسجة : (تَذْهَلُ) : أي : تنسى ، يقال : ذهل يذهل ذهولا ، وأذهلته ؛ أي : أنسيته.
وقال غيره : أي : تشغل ، والحمل بالنصب : ما في البطن ، والحمل بالخفض : ما على
__________________
(١) في الباب عن أبي سعيد الخدري ، أخرجه البخاري (٦٥٣٠) ، ومسلم (٣٧٩ / ٢٢٢) وابن جرير (٢٤٩٠٧ ، ٢٤٩٠٨ ، ٢٤٩٠٩) وأحمد وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات ، كما في الدر المنثور (٤ / ٦١٨).