على ما ذكر في آية أخرى : (مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) [الصافات : ٧] قال بعضهم : كل متمرد في العناد والمكابرة ، فهو مارد.
وقال بعضهم : المارد : هو المجاوز عن جنسه في عتوه وتمرده ؛ ولذلك سمي الذي لا لحية له : أمرد ؛ لخروجه ومجاوزة أجناسه ورجاله ، والمارد بالفارسية : ستنبه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) قال بعضهم : كتب على الشيطان أن من تولاه واتبعه أن يضله (وَيَهْدِيهِ) أي : يدعوه (إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) ، وهو ما قال في آية أخرى : (أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) [لقمان : ٢١].
وقال بعضهم (١) : كتب على من تولى الشيطان واتبعه أنه يضله ، أي : يدعوه إلى ما به ضلاله وهلاكه.
وقوله : قيل : حكم.
وقيل : قضى.
و (كُتِبَ) يحتمل الإثبات ، أي : أثبت في أم الكتاب : أن من تولى الشيطان واتبعه أنه يضله ، وقد ذكر إضلال الشيطان في غير موضع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) أي : خلقنا أصلكم من تراب ، وخلقنا أولاده من نطفة (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ...) الآية.
تأويله ـ والله أعلم ـ : أن كيف تشكون في البعث وتنكرونه وليس سبب إنكاركم البعث إلا أن تصيروا ترابا أو ماء في العاقبة ، وقد كنتم في مبادئ أحوالكم ترابا وماء ، فكيف أنكرتم بعثكم إذا صرتم ترابا؟
أو أن يكون معناه : أن كيف أنكرتم البعث وقد رأيتم أنه يقلبكم من حال النطفة إلى حال العلقة ، ومن العلقة إلى المضغة ، ولا يقلب من حال إلى حال بلا عاقبة تقصد ، فلو لم يكن بعث ـ كما تزعمون ـ لكان خلقكم وتقليبكم من حال إلى حال عبثا ؛ على ما أخبر : أن خلق الخلق لا للرجوع إليه عبث ، كقوله ؛ (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون : ١١٥] صيّر خلق الخلق لا للرجوع إليه عبثا ، فعلى ذلك الأوّل.
أو أن يكون تأويله ـ والله أعلم ـ : (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ...) إلى آخر الآية ، ولو اجتمع حكماء البشر وعلماؤهم ليعرفوا السبب الذي خلق البشر من ذلك التراب أو من النطفة ـ ما قدروا عليه ، وما وجدوا للبشر فيه أثرا ، ولا معنى البشرية فيه ،
__________________
(١) قاله قتادة بنحوه ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٤٩١٩) ، وعن مجاهد (٢٤٩٢٠ ، ٢٤٩٢١) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ٦٢٠).