وقوله : (ثانِيَ عِطْفِهِ) قال بعضهم (١) : لاوي عنقه إلى معصية الله.
وقال بعضهم (٢) : ناظر في عطفه ، أي : في جانبه ، ومثل هذا.
لكن حقيقته تخرج على وجهين :
أحدهما : على التمثيل والكناية عن إعراضه عن دين الله الحق والصدود عنه ، كقوله : (انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) [الحج : ١١] وقوله : (انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) [آل عمران : ١٤٤] ونحوه ، كله على التمثيل والكناية عن الإعراض عن الحق والصدود ، لا على حقيقة الانقلاب على الأعقاب ؛ فعلى ذلك جائز قوله : (ثانِيَ عِطْفِهِ) يخرج على التمثيل والكناية عن الإعراض عن الحق.
وجائز أن يكون على حقيقة عطف العنق والميل عنهم تكبّرا وتجبرا منه عليهم.
ثمّ بين أنه لم يفعل؟ فقال : (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ).
ثم أخبر ما له في الدنيا بصنعه؟ فقال : (لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ).
قال بعضهم : الخزي : هو العذاب الذي يفضحه ، وأصل الخزي : الهوان والذل ، وهم لما أعرضوا عن عبادة الله ودينه بلوا بعبادة الأصنام واتباع الشيطان ، فذلك الخزي لهم في الدنيا.
ثم أخبر ما له في الآخرة من الجزاء؟ فقال : (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) وعامة أهل التأويل (٣) يصرفون الآية إلى واحد منهم وهو النضر بن الحارث ، ويقولون : (لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) ؛ لأنه أسر يوم بدر ، فضرب عنقه ، وقتل صبرا ، فذلك الخزي له.
والحسن يقول : هذا الخزي لجميع الكفرة ؛ لأنه لم يزل هذا صنيعهم منذ كانوا ، فلهم الخزي في الدنيا : الخسف والحصب ، على ما كان في الأمم الخالية.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) ليس على تحقيق تقديم الأيدي ، ولكن على التمثيل ؛ لما بالأيدي يقدم ، فذكر اليد لذلك على ما ذكرنا من انقلاب الأعقاب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ؛ لأنّه لا يأخذ أحدا بغير ذنب ولا يأخذه بذنب غيره.
__________________
(١) قاله مجاهد وقتادة أخرجه ابن جرير عنهما (٢٤٩٤٠ ، ٢٤٩٤١ ، ٢٤٩٤٢ ، ٢٤٩٤٣) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ٦٢٣).
(٢) قاله قتادة بنحوه ، أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ٦٢٣).
(٣) قاله مجاهد ، أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٦٢٣).