ومنهم من كان يعبده في حال السعة والرخاء ، وهو ما ذكرنا من أمر المنافق.
وأمّا المؤمن فهو يعبده في الأحوال كلها لما رآه معبودا حقيقة ، على ما ذكرنا.
وقوله : (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ) : قد ذكرنا أن الفتنة هي المحنة التي فيها بلاء وشدة.
وقوله : (انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) :
قال بعضهم : هو على التمثيل ؛ على ما ذكرنا في قوله : (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) [الأنفال : ٤٨] ، وقوله : (انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) [آل عمران : ١٤٤].
وقال بعضهم : على تحقيق انقلاب وجهه ؛ لأنه كان عبادته ظاهرة ، لم يكن يعبده في الباطن في حال السعة ، فلما أصابته الشدة ترك عبادته ظاهرا على ما كان باطنه ، فهو انقلاب وجهه ، والله أعلم.
وقوله : (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) : أمّا خسران الدنيا ؛ لأنه فات عنه ما كان يأمله بزوالها ، وخسران الآخرة ظاهر : العذاب والشدائد.
وجائز أن يكون خسران الدنيا هو خضوعه لمن لا يضر ولا ينفع للعبادة للأصنام (ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) ؛ لأنه خسر في الدارين جميعا أمله وطمعه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ).
قيل : إن الآية في المنافقين ، وهم كانوا لا يعبدون على حرف ليست بعبادة الله ، إنما هي عبادة للشيطان ، فأخبر أنه يعبد ما لا يضرّه إن ترك العبادة له ، ولا ينفعه إن عبده ؛ يدل على ذلك : [قوله] : (هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) ؛ لأنه عبد من لا يضره إن لم يعبده ، ولا ينفعه إن عبده ، فذلك هو الضلال البعيد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ).
قال بعضهم : تأويله : يدعو من ضرره أقرب من نفعه.
وقال بعضهم : قوله : (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) ، هذا إن عبده ، ضرّه عبادته إيّاه في الآخرة والأولى ؛ حيث قال : (ما لا يَضُرُّهُ) إن ترك عبادته في الدنيا (وَما لا يَنْفَعُهُ) إن عبده (١) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ).
قال بعضهم (٢) : (لَبِئْسَ الْمَوْلى) أي : الولي ، وهو الشيطان (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) يعني : الصاحب ، كقوله : (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء : ١٩] أي : صاحبوهنّ بالمعروف.
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٤ / ٣٦).
(٢) قاله ابن زيد ، وأخرجه ابن جرير (٢٤٩٥٧) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ٦٢٤).