من قوله : (يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ ...) إلى آخر ما ذكر ذلك الذي ذكر : (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ).
وجائز أن يكون لا على ذلك ، ولكن حرف يذكر عند ختم قصّة والفراغ منها مبتدأ ، لا على ربط شيء ، نحو قوله : (هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ ...) [ص : ٤٩] كذا (وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ ...) [ص : ٥٥] كذا ، قوله : (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ) يصح دون ذكر هذا ، لكنه ذكر على ختم كلام الأوّل وابتداء آخر ، فعلى ذلك جائز أن يكون قوله : (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ) كذلك.
وقوله : (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) كأنّه قال : ومن يعظم حرمات الله ، وخرج للحج ، وأنفق المال ، وأتعب النفس فما له عند ربّه من الثواب ، فذلك خير له من حفظ ماله وحفظ نفسه ، وإلا لا شك أن من عظم حرمات الله خير له ممن لم يعظمها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ) ، وفي حرف ابن مسعود : وأحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم من المحرمات من الميتة والدم ، وما ذكر في سورة المائدة ، وقد ذكرنا هذا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) جائز أن يكون قوله : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ) وهم الأوثان.
وجائز أن يكون قوله : (فَاجْتَنِبُوا) عبادة الأوثان فإنه رجس ، وليس فيه أن غير الأوثان ليس برجس ، كقوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) [الإسراء : ٣١] ليس فيه أن يحل قتل الأولاد في غير خشية الإملاق ، فعلى ذلك هذا.
وقوله : (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) يحتمل كل قول زور.
ويحتمل الزور الذي قالوا في الله من الولد والشريك وما لا يليق به (١).
(وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ. حُنَفاءَ لِلَّهِ) تأويله ـ والله أعلم ـ : واجتنبوا قول الزور ، وكونوا حنفاء لله غير مشركين به.
وقوله : (حُنَفاءَ) قد ذكرناه.
وجائز أن يكون قوله : (غَيْرَ مُشْرِكِينَ) تفسير قوله : (حُنَفاءَ لِلَّهِ) أي : كونوا مخلصين لله في جميع أموركم ، غير مشركين به في ذلك ، والله أعلم.
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٤ / ٨٢).