هذا يخرج على وجهين :
أحدهما : وإن يكذبوك فيما أخبرت لهم وذكرت من التمكين ، والثبوت على الدين ، ووعدت لهم الجنة ، فقد كذبت الأمم الذين من قبلك رسلهم إذا أخبروا لهم بشيء ، أو وعدوا لهم بنصر ، أو نحوه.
وجائز أن يكون قوله : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) في الرسالة وفيما تخبر عن الله من الأخبار ، يصبر رسوله : لست أنت بأول رسول مكذب في الخلق ، ولكن قد كذب الأقوام الذين كانوا قبلك رسلهم في الرسالة ، وهو ما قال : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ ...) الآية [هود : ١٢٠].
وقوله : (فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي : لم يعاقب الله قوما كذبوا رسلهم وقت تكذيبهم الرسل ، بل أمهلهم حتى اغتروا بتأخير العذاب عنهم ، وزاد لهم تكذيبا وعنادا ، فعند ذلك أخذوا ، وعوقبوا بالتكذيب ، وهو ما أخبر عنهم ، وهو كقوله : (لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ) [المجادلة : ٨].
قال الحسن : إن الله لم يهلك قوما بأول التكذيب ، ولكن أمهلهم قرنا فقرنا ، وقوما بعد قوم ، ورسولا بعد رسول ، فعند ذلك إذا علم منهم أنهم لا يؤمنون أهلكهم ، وإن كان يعلم في الأزل من يؤمن منهم ومن لا يؤمن حتى يعلم علم ظهور وعلم ابتلاء أنهم لا يؤمنون ، وهو كقوله : (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ) [محمد : ٣١] علم ظهور في الخلق ، وإن كان يعلم علم باطن وخفي.
وقوله : (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ) ، لم يهلك الله تعالى أهل قرية إهلاك استئصال وتعذيب إلا بعد عناد أهلها وظلم شرك ، كقوله : (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) [القصص : ٥٩] ، وكقوله : (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ) [هود : ١١٧] ، وأمثاله كثير ، على ما ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) فإذا ذهبت السقف وبقيت الحيطان فهي خاوية على عروشها.
وقال بعضهم (١) : خاوية : خربة ، ساقطة حيطانها على سقوفها.
وقال الحسن : العريش : كل ما ارتفع من الأرض وعلا ، يقال : عرش ، وعروش جمع ، وهكذا كان ما أهلك الله من القرى :
__________________
(١) قاله الضحاك وقتادة ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٥٢٩٤ ، ٢٥٢٩٥) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ٦٥٨).