المشركين بغوا على المؤمنين ، فوعد الله لهم النصر عليهم بعد البغي.
وقال بعضهم قريبا من هذا ، وهو أن المشركين كانوا يؤذون أصحاب رسول الله ومن آمن منهم ، ويعاقبونهم في أشهر الحج ، ولم يكن للمؤمنين إذن بقتالهم في ذلك الوقت ، فقاتلوهم مكافأة لهم ، فأخبر الله ـ عزوجل ـ ووعد لهم النّصر إذا بغى أولئك عليهم من بعد ؛ فعلى هذا التأويل يكون وعد النصر لهم إذا بغى أولئك عليهم من بعد ، وعلى التأويل الأوّل يكون لهم الوعد بالنصر بعد ما بغى أولئك على هؤلاء ، والله أعلم بذلك.
وقوله : (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) للمؤمنين بقتالهم أولئك في أشهر الحج ، حيث كان لم يأذن لهم بالقتال.
أو (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) إذا تابوا ورجعوا عمّا فعلوا (١) ، والله أعلم.
وقوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) قد ذكرنا أن حرف (ذلِكَ) يستقيم ذكره على الابتداء والائتناف على غير صلة.
وجائز أن يكون صلة قوله : (لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) ، أي : ذلك النصر لمن ذكر ؛ لأن من قدر على إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل ـ قادر على ما وعد من النصر لهم (٢).
وقوله : (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [(سَمِيعٌ)] لأقوالهم ، (بَصِيرٌ) بحوائجهم ، والسّميع ، يقال : هو المجيب ، أي : مجيب لدعائهم ، (بَصِيرٌ) بما يكون من الأعداء.
أو أن يكون على الابتداء في كل أمر ، وكذلك : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) ما ذكرنا.
وقال بعضهم : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ) أي : هو الذي يفعل هذا.
وقوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) قال الحسن : الحقّ : هو اسم من أسماء الله ، به يعطي وبه يحكم بين الخلق ، وبه يقضي ، ونحوه.
وجائز أن يكون قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) أي : عنده يتحقق ما يطمع في العبادة ويطلب ؛ إذ هو المالك لذلك.
وقوله : (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ) أي : ما تطمعون بعبادة من دونه باطل ، وهو الأصنام التي عبدوها رجاء الشفاعة ، أو طمعا في السعة ، فأخبر أنها لا تملك ذلك ، وإنما ذلك لله.
وقوله : (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) أي : من عنده يطلب العلوّ ، [و] من عنده يطلب ويطمع الرزق ، والسّعة ، والشفاعة ، والنصر ، والظفر ، والإجابة ، لا من عند هؤلاء
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٤ / ١٣٣ ، ١٣٤).
(٢) ينظر : اللباب (١٤ / ١٣٤).