وقوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) يخبر أن له ما في السموات وما في الأرض ، وأنهم عبيده وإماؤه ، وأنّه لم يخلقهم لحاجة نفسه ، ولكن إنما خلقهم لحاجة أنفسهم ، حيث أخبر أنّه الغني بذاته.
والثاني : يخبر أنه لم يأمرهم ، ولم ينههم ، ولا امتحنهم لمنافع تكون له ، ولكن لمنافع الممتحنين (الْحَمِيدُ) هو المحمود في فعاله ، أو (الْحَمِيدُ) : الحامد.
وقوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) يذكرهم نعمه ليتأدى به شكره ؛ لأنه أخبر أنه سخر لهم ما في الأرض من أنواع المنافع ؛ ليعلموا أنه لم يخلقهم عبثا ليتركهم سدى ؛ لأن من كان خلقه لما ذكر لم يكن خلقه ـ ليكون خلقا ـ متروكا سدى ، ويخبر أنه أعطى لهم الأسباب التي بها يصلون إلى منافع الأرض مع شدتها وصلابتها ، والأسباب التي بها يصلون إلى منافع البحر ، وهي الفلك التي خلقها لهم ؛ ليصلوا بها إلى منافع البحر ، حيث خلق الخشب قارّا على وجه الماء غير متسرب ، وغيره من الأشياء من طبعها التسفل والتسرّب في الماء من الحديد ، والحجر ، ونحوهما من الأشياء ؛ ليعرفوا فضله ورحمته أن كيف ثبت وقر هذا على وجه الماء ، ولم يثبت الحديد والحجر ونحوه ، ثم ثبت الحديد على وجه الماء مع الخشب ؛ إذ السفن لا تخلو عن الحديد ، وبه تقوم السفن ، ثم لم يتسرب ، والله أعلم.
وقوله : (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) أي : يمسك السماء لا بالأسباب ولا بالأشياء التي تمسك الأشياء في الشاهد ، وهو ما قال : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا ...) الآية [فاطر : ٤١].
وقوله : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي : من رأفته ورحمته ما خلق لهم وسخر ما ذكر.
وقوله : (وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) هذا قد ذكرناه.
وقوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ) جائز أن يكون قوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ) ، أي : الكافر (لَكَفُورٌ) للبعث أي : جاحد له ، والكفور لربّه في نعمه التي أنعمها عليهم ، حيث ذكر أنّه سخرها لهم في قوله : (سَخَّرَ لَكُمْ ...) كذا ؛ لأنه ينظر في النعم إلى أسبابه والحيل التي يحتال لا إلى فضل ربّه وإفضاله في تلك النعم ؛ لذلك صار كفورا لربّه في نعمه.
وأمّا المؤمن فإنّه ليس ينظر إلى الأسباب والحيل فيها ، ولكن ينظر إلى فضل الله وإفضاله وإنعامه عليه فيها ؛ فيكون شكورا له فيها غير كفور ، والكافر ينظر إلى ما ذكرت ؛ لذلك كان ما ذكر.