الدّين ـ أشبه وأقرب ؛ لأنه ذكر (إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) فلا يتخالجن في نفسك شك في ذلك ، والله أعلم.
وقوله : (وَإِنْ جادَلُوكَ) في أمر الذبيحة ، أو في الدين ، وقد جادلوه في الدّين كثيرا ، لكن قال ذلك ـ والله أعلم ـ عند إياسه عن توحيدهم وإسلامهم ، يقول ـ والله أعلم ـ : (وَإِنْ جادَلُوكَ) في الدّين والتوحيد فقل : (اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) ، وهو كقوله : (لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [الشورى : ١٥] فعلى ذلك قوله : (اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) من الدّين.
قال بعض أهل التأويل : هذه الآية منسوخة ، نسختها آية القتال ؛ لأن فيها حظرا عن القتال ، والترك على ما هم عليه ، وتسليم الأمر إلى الله يحكم بينهم يوم القيامة.
لكن جائز ما ذكرنا أنه إنما قال ذلك عند الإياس منهم عن توحيدهم.
وقوله : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) قد ذكرنا في غير موضع أن حرف (أَلَمْ) حرف يتوجه إلى وجوه : إلى التعجب مرة ، وإلى التنبيه والإيقاظ ثانيا ، وإلى إيضاح الحجج والبراهين ثالثا.
وقوله : (إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ).
وقوله : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) : حججا وبراهين ، (وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ) يخبر عن سفههم أنهم يعبدون غير الله ولا سلطان ولا حجة لهم ، ولا لهم بذلك علم ؛ لأنهم كانوا لا يؤمنون برسول يخبرهم ، ولا كان لهم كتاب فيعلمون به ، فيقول : إنهم يقولون : الله أمرهم بذلك ، ولا حجة لهم في ذلك ولا علم.
وفيه أنّه إنما بعث الرسل إليهم على علم منهم أنهم يكذبون الرسل ؛ لأن من الناس من ينكر بعث الرسل إلى من يعلم أنه يكذبهم ويترك إجابتهم كمن لا يبعث في الشاهد رسولا إلى من يعلم أنه يكذبه ولا يجيبه ، فعلى ذلك يقولون : لا يجوز أن يكون الله يبعث الرسول إلى من يعلم أنه يكذبه ولا يجيبه ، لكن الله أخبر أنه على علم منهم بالتكذيب وترك الإجابة بعثهم ، حيث قال : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ).
وأما قولهم : إن من علم في الشاهد تكذيب المرسل إليه رسوله فإنه لا يبعثه إليه ؛ لأن المرسل إنما يبعثه لحاجة نفسه ومنافعه ، فإذا علم منه تكذيبه وترك الإجابة لم يبعثه ، فأمّا الله ـ سبحانه وتعالى ـ إنّما يرسل الرسول لحاجة المرسل إليه ومنافعه ، لا لحاجة نفسه ومنفعته ، فلا ضرر يلحقه في تكذيبه وجحوده ، فجائز أرسله على علم منه بالتكذيب.
وقوله : (إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ) قال بعضهم : إن ذلك العلم في الكتاب الذي عنده.