وهو ما ذكر : (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) وتركهم عبادة من هو خالقهم وخالق جميع الخلائق.
والثاني : يخبر عن قطع ما يأملون ويطمعون من عبادتهم الأصنام ، حيث قال : (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) ويتركون عبادة من يؤمل منه ويطمع كل خير ، والله أعلم.
وقوله : (فَاسْتَمِعُوا لَهُ) قال بعضهم : أجيبوا له.
وقال بعضهم : استمعوا استماع من نظر وتأمل الحق ويقبله ، إذا أظهر الاستماع من لا ينظر إلى الحق ، ومعناه : إذا أظهر له الاستماع من لا ينظر إلى الحق ولا يقبله ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) قال بعضهم : (تَدْعُونَ) ، أي : تعبدون من دون الله ، وقال : (تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) على الدعاء ، أي : تسمونهم : آلهة من دون الله ، وقد كان منهم الأمران جميعا : العبادة للأصنام من دون الله ، وتسميتهم إياها : آلهة من دون الله.
وقوله : (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) فيه ما ذكرنا من الوجهين : من تسفيه أحلامهم في عبادتهم من لا يملك خلق أضعف خلق الله ، وعجزهم عما يأملون من النفع ، وعن دفع من يروم بهم الضرر وسلب ما ذكر منهم.
ثم اختلف في قوله : (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ).
قال بعضهم : (الطَّالِبُ) : الصنم ، (وَالْمَطْلُوبُ) : هو الذباب ، لكن على التأويل يضمر فيه : (لو) ، أي : ضعف الصنم لو كان طالبا.
قال بعضهم (١) : (الطَّالِبُ) هو الذباب ، (وَالْمَطْلُوبُ) : هو الصنم.
فإن قيل : وصفهما جميعا بالضعف : الذباب والصنم جميعا ، على تأويلهم ـ أعني : هؤلاء ـ فالصنم ضعيف ، عاجز ، على ما وصف ، وأمّا الذباب فهو ليس بضعيف ؛ لأنه غلب ذلك الصنم إن كان طالبا أو مطلوبا ، فكيف وصفه بالضعف ، وهو الغالب عليه في الحالين؟ لكنه كأنه رجع قوله : (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) إلى العابد والمعبود ، كأنه قال : ضعف العابد عمّا يأمل ويطمع من عبادته إياه ، وضعف المعبود عن إيفاء ما يؤمل ويطمع منه ، فهذا كأنه أشبه وأقرب إلى التأويل من الأول ، والله أعلم.
__________________
(١) قاله ابن عباس بنحوه ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٣٨٠).