وقوله : (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) اختلف فيه :
قال بعضهم : (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) أي : ما عرفوا [الله] حق معرفته ، قالوا له بالشريك والولد والصاحبة ، وما قالوا فيه مما لا يليق به ؛ لأنهم لو عرفوه حق معرفته ، لم ينسبوا إليه ، ولا وصفوه ، وعرفوا بذاته وتعاليه عن ذلك ، لكن حيث لم يعرفوه حق معرفته شبهوه بواحد من خلقه ، على ما ذكرنا.
وقال بعضهم (١) : (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) أي : ما عظموا الله حق عظمته ، حيث صرفوا العبادة والشكر إلى غيره ؛ إذ لو عظموه حق تعظيمه ، ما صرفوا عبادتهم وشكرهم إلى غير الذي أنعم عليهم ، وما أشركوا غيره في ذلك ، على علم منهم أنه إنما وصلت إليهم تلك النعم من الله ، لا ممن عبدوه ، وبالله العصمة والصواب.
ثم يكون تعظيمه ومعرفته على الحقيقة بتعظيم أموره ، وقبولها ، والقيام بها ، لا في قوله : يا عظيم ، يا كبير ، ونحوه ، ولكن على ما ذكرت من تعظيم أموره ، وقيامه بها ، وكذلك المحبة لله إنما تكون في القيام بأموره وإقباله نحوها ، والانتهاء عن مناهيه ، لا في قوله : أنا حبيبك ، أو تصوير شيء في قلبه ، ولكن على ما ذكرت ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) يحتمل قوله : (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) لنصر أوليائه ، وجعل العاقبة لهم (عَزِيزٌ) أي : منتقم من أعدائه.
أو يقول : (لَقَوِيٌ) ؛ لأنه تضعف جميع القوى عند قوته (عَزِيزٌ) : يذل جميع الأعزة عند عزته.
أو يقول : (لَقَوِيٌ) ؛ لأنه به يقوى من قوي ، ومنه يستفيد ذلك (عَزِيزٌ) ؛ لأنه به يعز من عز به ، ومنه كان ذلك ، والله أعلم.
وقوله : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) يحتمل قوله : (يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) ، أي : اختار رسلا من الملائكة في بعض ما امتحنهم [به] من أنواع العبادات له والطاعات ، بعث منهم إليهم رسلا بتبليغ ذلك على ما اختار من الناس رسلا إليهم فيما امتحنهم. ويحتمل : اصطفى رسلا من الملائكة إلى الرسل من الإنس ، أي : اختار منهم ـ أعني : من الناس ـ رسلا من الإنس ، والله أعلم ، كقوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤].
وقوله : (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) جائز أن يكون قوله : (بَصِيرٌ) لمن يصلح للرسالة
__________________
(١) قاله ابن جرير (٩ / ١٩٠).