وقال ابن عباس (١) وغيره : السلالة : صفوة الماء.
وقوله : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) والنطفة هي المعروفة ، والعلقة والدم والمضغة : القطعة من اللحم إلى آخر ما ذكر ، يخبرهم عن تحويله إياهم وتقليبه من حال إلى حال لوجوه :
أحدها : يخبر عن قدرته وسلطانه وعلمه وتدبيره ؛ ليعلموا أن من قدر على إنشاء العلقة من النطفة ما لو اجتمع الخلائق جميعا على أن يعرفوا سبب خلق هذا عن هذا ، مع إحاطة علمهم أن ليس فيها من آثار العلقة شيء ـ ما قدروا على ذلك ، وعلى ذلك جميع ما ذكر من النطفة والمضغة ، [و] من العلقة والعظم ، [و] من المضغة والإنسان ، دل ذلك كله على أنه قادر ؛ فمن قدر على هذا يقدر على إنشائهم من الأصل من لا شيء ، ويقدر على إحيائهم بعد ما صاروا ترابا ، والأعجوبة في خلق الإنسان مما ذكر من النطفة والعلقة والمضغة ليس بدون خلقه إياهم من التراب من الوجوه التي ذكرنا.
وفيه دلالة علمه الذاتي ؛ لأن من قدر على تحويلهم من حال إلى حال التي ذكر في الظلمات الثلاث ؛ دل أنه عالم بذاته لا بعلم مستفاد من أحد ، ولا قوة مكتسبة ؛ ولكنه بالعلم الذاتي والقوة الذاتية ؛ لأن من علمه مستفاد ، ومن قوته مستفادة ومكتسبة لا يبلغ ذلك.
وفيه دلالة تدبيره ؛ لخروج الخلق جميعا وتوالدهم من أول أمرهم إلى آخر ما ينتهون على جري واحد وسنن واحد ، على غير تغيير في التوالد والتناسل الذي جعل فيهم ، وكذلك جميع ما يخرج من الأرض من النبات والأشجار والأوراق في كل عام ، وفي كل سنة يخرج على جرية واحدة وسنن واحد لا يتغير ولا يتفاوت وقت خروجه ؛ بل على تقدير واحد وميزان واحد ؛ دل أنه على تدبير ذات خرج ، لا على الجزاف ، وبالله الحول والقوة.
وفيما ذكر من تحويله إياهم وتقليبه من حال إلى حال دلالة أنه لم ينشئهم لأنفسهم ، وأن من أنشأ من العالم سواهم إنما أنشأه لهم ، وأنشأ أنفسهم لعاقبة ؛ لأنه لو كان إنشاؤه إياهم لأنفسهم وللفناء الذي ذكر في قوله : (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ) لكان يتركهم على حالة واحدة ولا يحولهم من حال إلى حال ، فإذا حولهم وقلبهم من حال إلى حال دل أنه لا للموت الذي ذكر خلقهم خاصة بقوله : (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ) ؛ ولكن لعاقبة
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٥٤٥٤) وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٠).