ولم تر ، وسمعت ، ولم تسمع ، وعلمت ، ولم تعلم.
ومنهم من قال (١) : في شهادة الزور ؛ فإن احتج محتج بهذا في إبطال القياس والاجتهاد ؛ فيقول : إذا قاس الرجل فقد قال ما ليس له به علم ، لكن ليس كذا ؛ لأن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد تكلموا في الحوادث بآرائهم ، وشاوروا في أمورهم ، وولى أبو بكر عمر (٢) ـ رضوان الله عليهما ـ الخلافة بغير نصّ من الرسول عليها ، وجعلها عمر شورى بينهم (٣) ، ولم يرو ذلك عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولا نقول : إنهم فعلوا ذلك بغير علم ، ولا : قالوا ما لم يعلموا ؛ فدلّ ما ذكرنا أن معنى قول الله ـ تعالى ـ : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ـ ليس يدخل فيه الاجتهاد في الأحكام ، وتشبيهه الفرع الحادث بالأصل المنصوص عليه ، والله أعلم.
وقال القتبي : (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) ، أي : يتناهى في الثبات إلى حال الرجال ، ويقال : ثماني عشرة سنة (٤) ، وقال : أشدّ اليتيم غير أشدّ الرجل في قوله : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) ، والأشد ما ذكرنا من استحكام عقله وتدبيره إلى ألا يؤخذ بالنقصان ، وهو إذا جاوز أربعين يأخذ في النقصان ، وإلى أربعين يكون على الزيادة والنماء.
ويحتمل قوله : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ) ، أي : لا تقف ما ليس لك به علم بأسباب العلم ، وهو ما ذكر من السمع والبصر ، وجائز أن يكون : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) : يسأل عن شكر هذه الأشياء ، أو يسأل عما امتحن بهذه الأشياء.
وفي قوله : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) ـ دلالة جواز الاجتهاد ؛ لأنه أمر بإيفاء الكيل والوزن ، ولا يقدر على ذلك إلا باجتهاد الكائل والوازن ؛ لأن كيل الرجل يزيد على كيل غيره وينقص ، وربما كال الرجل الشيء ثم يعيد كيله هو بنفسه فيزيد أو ينقص ، ولا يكاد يستوي الكيلان وإن كانا من رجل واحد ، وإنما يكلف الاجتهاد في كيله وترك التعمد للزيادة أو النقصان [فيه](٥) ؛ فإذا فعل ذلك فقد وفر الكيل وأدى الواجب ،
__________________
(١) قاله ابن الحنيفة ، أخرجه ابن جرير (٢٢٣١١) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٤ / ٣٢٩).
(٢) انظر : الطبقات الكبرى لابن سعد (٣ / ١٤٨ ، ١٤٩).
(٣) انظر : صحيح البخاري (٧ / ٤١٩ ، ٤٢١) ، كتاب فضائل أصحاب النبي : باب قصة البيعة (٣٧٠٠).
(٤) انظر : غريب القرآن ص (٢٥٤) ، لابن قتيبة.
(٥) سقط في أ.