وقوله ـ عزوجل ـ : (كُلُّ ذلِكَ)
أي : كل ما أمر الله به ونهى عنه في هؤلاء الآيات.
(كانَ سَيِّئُهُ).
بالعقل.
(عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) :
مسخوطا ، وفيه دلالة أن الأمر الّذى أمر في هذه الآيات ونهاهم عنه ـ لم يكن أمر أدب ولا نهي أدب ، ولكن أمر حتم وحكم ؛ حيث ذكر أن ذلك عند ربك : (مَكْرُوهاً) ؛ إذ لو كان أدبا لم يكره أي شيء ما ذكر في مكروه عند ربّك ، وهو كقوله : (فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) [الزمر : ١٨] ، أي : يسمعون [الكل ؛ فيتبعون أحسنه](١) ، ويتركون غيره ؛ فعلى ذلك الأول ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ).
أي : ذلك الذي أمر الله به ونهى عنه في هؤلاء الآيات من الحكمة ـ ليس من السفه ، أي : ما أمر فيها هو حكمة وما نهى عنه [إنما نهى عنه ؛ لأنه سفه](٢).
وقال بعضهم (٣) : الحكمة ـ هاهنا ـ القرآن ، قوله : (ذلِكَ) ، أي ذلك الذي أوحى إليك هو حكمة ، وقال بعضهم : الحكمة : الإصابة ، أي : ذلك الذي أوحى إليك صواب. وقوله : (ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) ، أي : ما ذكر في هذه الآيات وأمر به ونهى عنه ـ هو من الحكمة ، والحكمة : هي وضع الشيء موضعه ، [يقول : حكمه : وضع الشيء موضعه ، لا](٤) وضع الشيء غير موضعه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً).
معلوم أن رسول الله لا يجعل معه إلها آخر ؛ إذ عصمه واختاره لرسالته ، لكنّه ذكر هذا ليعلم أنه لو كان منه ذلك فيفعل به ما ذكر ؛ فمن هو دونه أحق أن يفعل به ما ذكر ، وهو ما قال في الملائكة : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ...) الآية [الأنبياء : ٢٩]. أنه عصمهم حتى أخبر أنهم : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء : ٢٧] ؛ فمن لم يكن معصوما ـ لم يوصف أنه لا يسبق بالقول ؛ فعلى ذلك قوله : (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً) : عند الله ، أو عند نفسك ، أو عند الخلق.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) قاله ابن زيد أخرجه ابن جرير عنه (٢٢٣١٨).
(٤) سقط في ب.